كنت أشاهد أخبار الحوادث الأخيرة بأمريكا، أكثر من شخص من أصول أفريقية يقوم باغتيال رجال من الشرطة هناك، انتقاما لما يلاقيه السود عامة من تمييز وتعسف في المعاملة من جهاز الشرطة ذي الأغلبية البيضاء، وصلت لحوادث قتل غير مبررة تسببت في مظاهرات عنيفة في عدة ولايات.
تساءلت حينها: لماذا لم يقم قبطي مرة بالانتقام لحرق بيته أو كنيسته، بالثأر لإصابة ومقتل أفراد من عائلته؟ ألا يوجد من الأقباط مَن لديه اضطرابات نفسية أو مَن يعاني من الاكتئاب الحاد، ليتسلل إلى المسجد المجاور ليحرقه، أو ليعتدي على مسالمين أمامه بالسلاح صارخا \”بسم الصليب\”؟!
\”ببساطة لأنكم جبناء\”، هذه إحدى الإجابات المتداولة على المنتديات.. هنا اتذكر كلمة أحد الظباط المصريين منفعلا بعد عملية ارهابية غادرة، وهي أنه لا يوجد أجبن على الأرض مِن مَن يفجر قنبلة عن بعد مختبئا، أو مِن مَن يستهدف مدنيين في الأسواق العامة، فأظن أن الجبن ليس الإجابة الصحيحة، فما أسهل سفك الدماء في وقتنا الحاضر، والدليل حادثة نيس فرنسا الأخيرة.
الإجابة قد تكون في ما يرصده القبطي من حوله، وما يتلقاه من تعليم ديني منذ نعومة أظافره، مثل ما يلي:
– لا يوجد كنيسة على اسم \”قسطنطين العظيم\” أو \”ريتشارد قلب الأسد\”، لا يوجد تمجيد ديني لأي ملك مسيحي مهما كان تاريخه زاخرا بالمعارك والفتوحات التي أوسعت مملكته وأدّت لانتشار المسيحية من بعده.. نعم هناك بلاد تم غزوها تحت راية الصليب ولكن لا يتم الاحتفاء بذكرى قادتها.
– أسماء الكنائس هي على أسماء القديسين، وبعض هؤلاء كانوا جنودا وظباطا ملحقين بالجيش الروماني وغيره.. لا تفخر الكنيسة بهم لعدد من قتلوا من الشعوب الوثنية، بل احتسبتهم قديسين فقط عندما اعتزلوا القتال وما معه من حياة دنيوية، أو تخلّوا عن سلاحهم وعُذبوا من أجل إيمانهم.
– الوعظات في الكنائس لا تتمحور حول عظمة المسيحية وفضلها على بقية الشعوب، ولا عن بطولات الفرسان في الحملات الصليبية، ولا عن مغامرات القادة في استعادة الأندلس.. الوعظات في الاجتماعات معظمها عن حياة السيد المسيح وكيف نتمثل به في حياتنا، لنخلص معه إلى الحياة الأبدية.
– الشهيد في المسيحية لا يحسب شهيدا إن قاتل، وإن كان دفاعا عن النفس أو عن الوطن أو عن الدين نفسه.. الشهيد في المسيحية هو فقط من تمسك بإيمانه وأعلنه، وتم تعذيبه وقتله لينكر مسيحه، أما دفاعه عن نفسه وعائلته ووطنه، فهذا يحسبه شجاعا وأمينا، ولكن لا تضمه الكنيسة لمجمع الشهداء والقديسين.
– لا توجد ثغرة ظاهرة في التراث المسيحي، تسمح للتطرّف بداخل القبطي من انتهاج العنف كطريق للجنّة، ولهذا فالتطرف لدى الأقباط له سقف محدد.. قد يظهر تطرفه في صورة تصريحات مستفزّة أو هتافات معادية، ولكنه لا يصل لسفك الدماء، ليقينه أن كنيسته ستدين جُرمه دون نفاق.
– هناك طبعا ذكر للحروب القاسية التي نشبت بين اليهود والأمم من حولهم على مدار ألف عام، من خروجهم من أرض مصر وحتى رجوعهم من سبي بابل، لكن لا يتم تناولها أبدا على إنها حرب دينية هدفها أن تفرض بالسلاح الإيمان بالرب، بل على أنها حرب تسعى إلى المحافظة على وجود شعب وامتلاك أرض.
نرى مما سبق أن القبطي غالبا ينشأ في بيئة تلقنه أن الحرب الحقيقية ليست حرب السلاح، بل الحرب على الشر في قلبه وفي مجتمعه.
مع الأسف هذا الاعتقاد لا يحقق مكاسب أرضيّة للأقباط، وهو ما يثير الحنق والغيرة أحيانا من الآخر.. قد تكون حقيقة مؤسفة، ولكن لم يعدهم أحد بغير هذا، حتى إن مسيحهم أخبرهم يوما أن \”مملكتي ليست من هذا العالم\”.