منى حراجي تكتب: رسائل إلى الله

 

(١) لولا الشك لما عرف خليل الله إبراهيم ربه

عندما كنت في الصف الأول الإعدادى، سألت مدرسة التربية الدينية:

– \”لما ربنا قادر على كل شيء، ليه ما خلقناش كلنا مؤمنين ودخلنا الجنة على طول كده؟!\”

وجاءت إجابتها على غير مرادى، وكانت كفيلة بالتفاف متحفز لكل الأعين تجاهى، وإسكات لسانى:

– \”تؤتؤتؤتؤ.. ما ينفعش كده يا منى، لازم يكون عندك شويه إيمان.\”

ومنذ تلك الفترة، عرفت أن كثيرا من الناس، يخافون من مجرد الاقتراب بالتفكير خشية أن يقعوا في بئر المعصيه، وخوفهم يدفعهم لإخراس أي ألسن تدعوهم إلى إعادة النظر فى معتقداتهم، فإما تصحيحها أو التيقن منها، وأن هذا هو ملخص الإيمان لديهم!

وإلى الآن لا أعرف إجابة هذا السؤال، وانضم للسؤال، الكثير من الأسئلة الأخرى، والتى تدور في نفس الفلك \”ليه؟\”، وقد تعلمت مع الوقت أن لا اكف عن التفكير وطرح المزيد من علامات الاستفهام، ويكفى فقط أن أكون حذرة فى اختيار من ألقيها على مسامعه.

(٢) وبذكرك تطمئن القلوب

يساورنى ذلك الخوف والقلق من الحياة والمستقبل والوحدة والمجهول، وأشعر بين الحين والآخر بمقولة مريم \”يا ليتنى مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا\”.

إمكانيات عقلى المحدود ونفاذ صبرى في كثير من الأوقات، لا يساعداني على إدراك حكمتك من الصبر على الظالم ونجاة القاتل وإعطاء الغنى والأخذ من الفقير، واختلاف الأرزاق والأعمار والدرجات في الحياة الدنيا.. أنهك نفسى وبالى كثيرا بقدريات ليست في يدى، تعبت وأنت أعلم بى منى.

اللهم هبنى تلك الثقة التى كانت عليها هاجر وهى تحمل وليدها وتغدو في صحراء من غير حول لها ولا قوة.. اللهم ارزقنى الأمل الذي كان عند زكريا وهو يدعوك ألا تذره فردا وهو شيخ كبير وامرأته عاقرا.. تلك الطمأنينة التى استسلم لها يونس وهو في بطن الحوت.. احملنى يا الله من نطاق حولى وقوتى إلى نطاق حولك وقوتك.

(٣) الرضا بالمقسوم.. عبادة

اللهم إنك تعلم أني عبدة ضعيفة لا تقوى على تحمل الابتلاءات، نفسى تتأرجح ما بين نوع النفس الأمارة بالسوء، والأخرى اللوامة.. أذهب وأندم وأعود وأتوب، ثم أرجع وأُذنب، ولا أعلم أهو لضعف في نفسى أم لمتعة أجدها في الذنب، أو لظنى فيك بالغفران وطمعى فى الرحمة.

اللهم اجعل خشيتى لك أكبر من خشية انكشاف أمرى بين البشر، فأنت تستر، والبشر لا يسترون.
نفسى ما زالت تطمح إلى ما ليس في يدها، ولا أعلم أمن المفترض أن أسعى لشئ ولن أنوله إلا وقد قدر لى، أم أرضى واصبر واحتسب، وسيأتيني لو كان قدرى؟

اتحدث مع الناس بنعمتك عليّ، أم استعين على حالى بالسر والكتمان؟

ازهد في الحياة الدنيا، أم أسعى لأصبح المؤمن القوى؟

وهبتنى نعما كثيرة، ليس كثواب لى، وإنما لفضل منك.. وحرمتنى من أخرى قليلة، ليس لعقاب لى، وإنما لحكمة لا اعلمها، فارضينى بما رزقتنى واكفنى عن ما حرمتنى.

(٤) نور السموات والأرض

اعترف أنى لم أشعر بتلك الهيبة عندما رأيت بيتك المعظم، لم يقشعر بدنى ولم تذرف عينى الدموع وأنا اطوف وأسعى.. بكيت كتيرا في سجودى، ولم يكن البكاء دوما من خشيتك، ولكنى أقر أنى أشعر بجلالك وألوهيتك في أمور حياتية بسيطة ألمسها في حياتى اليومي.. أراك في كل شي، أراك فى تلك الهرر الوليدة، وهى تهتدى إلى ثدى أمها وتعرف من غير معلم كيف تحصل على طعامها.. في حشرة صغيرة الحجم تعمل في دأب، يحمل جسمها الصغير الكثير من الأجهزة الحيوية.. في نبات يميل بساقه متتبعا ضوء الشمس.. في حركة السحاب، وفي نزول المطر.

تتسلل كلمات \”سبحان الله\” على فمى، عندما تعجز كل وسائل البشر عن إحياء روح، وهو عليك هين.. ابتسم وتطمئن روحى حين تأتينى تلك الرسائل السماوية من ظهور أو اختفاء أشخاص في حياتى، يتغير معها المسار، أو فرج يخطو نحوى بعدما ظننت كل الظن أن لا انفراج، أو حتى حلم ترزقنى إياه في المنام، فأشعر بحنانك يغمرنى.

(٥) الموت علينا حق

أصبحت في الآونة الأخيرة أتمنى الموت، وكل ما يشغل بالى هو الخلاص من متاعب الدنيا، بل إنى افكر فى الانتحار، وابحث عن طرق فلسفية لإباحته.. ما عاد يزعجنى وصف لهيب جهنم، والصراط الذى هو أحد من السيف وأرفع من الخيط، وتخيلات الجلود وهي تتبدل لتحترق من جديد.

أؤمن بيوم الحساب، ولكنى أشعر أنى ضئيلة للغاية أن تحاسبنى على ذنوبى وأخطائى، وأنت الغنى عن العالمين، وعندى شيء من اليقين أنك ستعفو عن البلهاء أمثالي.

أكثر ما يرعبنى في فكرة الموت، هى لحظة انتزاع روحى من جسدي.. يخيل لى أنها ستكون مؤلمة للغاية، وبعدها سوف يسكن جسدى -الذى رافقنى كثيرا- حفرة مظلمة، وحيدا.

البسطاء يرددون \”اللي بيموت بتقوم قيامته\”، وهى فكرة عادلة في حد ذاتها، فلماذا ينتظر جسدى في قبرى حتى تنتهى البشرية؟!

(٦) ادعونى.. استجب لكم

اللهم إنى أعوذ بك من هؤلاء الذين حرموا الكثير من حلالك، وضيقوا علينا متع الحياة، وصنفوا البشر بهيئتهم، وعينوا أنفسهم محل كلمتك في الأرض.. اللهم إنى أعوذ بك من هؤلاء الذين تلاعبوا بآياتك وفسروها لخدمة أهوائهم، فنشروا الفساد وسفكوا الدماء باسمك زورا.. أعوذ بك من هؤلاء الصامتين عن الحقوق.. الساكتون على الظلم.. أعوذ بك من احتياجى لقلوب قاسية وإذلالي لأصحاب نفوذ وسلطة.. أستعين بقدرتك على تقبلى تقلابات البشر وانعطفات الحياة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top