محمد صالح يكتب: ليلة الدخلة.. نكتة "بوتين" التي قد تتحول إلى واقع

 

“مهما فعلت في ليلة الدخلة، سيتم نكحك على أي حال…”

هكذا تبدو ترجمة مقطع الڤيديو للرئيس ڤلاديمير بوتين، وبجانبه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وقد أطلق نكتة عن ليلة الدخلة، فتنظر له المستشارة الألمانية شزراً في لقطة مقطوعة (ممنتچة) من سياق آخر، ويأتي التعليق الناري بأن ذلك حدث أثناء مؤتمر بشأن الأزمة الأوكرانية.

واقعياً، وبلا مبالغات، فإن حديث الرئيس الروسي كان بتاريخ ٢١ يونيو ٢٠١٣ أثناء الجلسة العامة لمؤتمر بطرسبورغ الاقتصادي الدولي، ولم تكن تلوح في الأفق أي أزمات بين روسيا وألمانيا، ومجمل حديث بوتين كان كالتالي:

\”إجابة على سؤالك: عرضت المستشارة الألمانية رأيها بحرص شديد، لكنني أسمح لنفسي هنا أن أعرض وجهة نظر أخرى من الخارج، لا يمكن أن تؤدي منطقة العملة الواحدة عملها بفعالية، دون وجود سياسة مالية وضريبية، وسياسة اقتصاد كلي وميزانية موحدة، خاصة إذا كان أعضاء هذا الاتحاد هي دول تتباين في معدلات نموها الاقتصادي. كيف نتوصل لذلك؟ إما من خلال هيكل حكومي فيدرالي لولايات أوروبية متحدة، أو على أساس اتفاقيات وتعاقدات منفصلة.. لا أجد هناك فرقاً، المهم هو النتيجة.. هناك الكثير من النكات التي أطلقت بهذا الصدد.. كيفما تصرفت في ليلة الدخلة، لابد وأن تكون النتيجة واحدة!”

ببساطة وبلا إسفاف.. ربما بجرأة معهودة، رد فعل المستشارة الألمانية كما في هذا الڤيديو نقلاً عن \”روسيا اليوم\” يبدو مرحاً مرحباً، لا نظرات نارية، لا شئ.. بعض الضحكات في القاعة، وهذا كل ما هنالك.

نحن في الشرق الأوسط نحب البهارات والتوابل، نحب الأحداث والحركات والفهلوة وامتلاك الحقائق.

ولكن…

لقد أدى حصول بوتين على شبه جزيرة القرم من خلال استفتاء يشبه استفتاء حصول كوسوڤو على استقلالها في فبراير ٢٠٠٨ خطوة سياسية مرتبة بعناية، تبعها تدخل روسي (تنكره روسيا على طول الخط) في الأراضي الأوكرانية بهدف تأمين ممر بري إلى شبه جزيرة القرم، حتى تصبح فعلياً من البحر والبر (بعد أن أصبحت رسمياً) جزءاً من روسيا الاتحادية، حتى لا يخاطر أي أحد في المستقبل بفقدانها مرة أخرى.

الدستور الروسي ينص على أن التنازل عن الأرض الروسية هو بمثابة خيانة عظمى، ما يحرّم على بوتين أو أي رئيس روسي قادم بعده التنازل عن تلك الأراضي.. على العكس تسعى روسيا إلى انفصال جنوب وشرق أوكرانيا ذي الأغلبية الروسية، والقاعدة الصناعية، أو على الأقل \”فدرلة\” أوكرانيا، بينما يعتبر مسألة القرم مسألة منتهية بشكل مطلق، الأمر الذي تستنكره الولايات المتحدة الأمريكية، وأوروبا، ويدفعون دولا مثل جمهوريات البلطيق إلى الذعر والخوف من الدب الروسي، الذي يبدو وكأنه أفّاق من سباته، ليضم أراضي الاتحاد السوڤيتي السابق، ويعيد أمجاد الإمبراطورية القديمة.

ما يبدو واضحاً للعيان في السنوات الأخيرة أن ما يحدث هو نفس السيناريو الذي اتبعته الولايات المتحدة الأمريكية عام ١٩٨٥ في تركيع الاتحاد السوڤيتي، والذي تسبب فيما بعد في انهياره حينما رفعت المملكة العربية السعودية الحليف المطيع للولايات المتحدة الأمريكية إنتاج النفط من ٢ مليون برميل يومياً إلى ١٠ مليون برميل يومياً، بغرض خفض سعر برميل البترول من ٣٢ دولار أمريكي للبرميل إلى ١٠ دولارات للبرميل، مما دفع الاتحاد السوڤيتي إلى بيع نفطه بسعر أقل من ذلك (٦ دولارات للبرميل)، وقد أشار إلى ذلك يجور جايدار الذي كان رئيساً للوزراء في الفترة بين ١٩٩١-١٩٩٤ بقوله إن “انهيار الاتحاد السوڤيتي قد بدأ فعلياً في ١٣ سبتمبر ١٩٨٥”، حينما أعلن الشيخ أحمد زكي يماني وزير النفط السعودي عن تغيير جذري في السياسات النفطية للملكة، وأن المملكة لن تحمي أسعار النفط، ورفعت -آنذاك- الانتاج في الستة أشهر التالية إلى أربعة أضعاف، مسببة انهياراً في سعر برميل النفط، مما جعل خسارة الاتحاد السوڤيتي جراء ذلك حوالى ٢٠ مليار دولار سنوياً، الأمر الذي انتهى بانهياره في ٢٥ ديسمبر ١٩٩١.

لابد كي نطمئن إلى قاعدة ثابتة للحديث، أن نتفق على أن الاتحاد السوڤيتي قد انهار بالفعل عام ١٩٩١، ودُفن تحت أنقاض عالم جديد بزغ قبل ذلك التاريخ، عقب سقوط حائط برلين ١٩٨٩، كذلك علينا أن نتفق من باب الاحتياط على أن روسيا لم تعد “جنة الاشتراكية”، كما أن الرئيس الروسي ڤلاديمير بوتين ليس محرر الشعوب والزعيم الملهم الأوحد بطل الأدبيات الشيوعية، لكننا في الوقت نفسه لابد وأن نعي أن روسيا دولة عملاقة تبلغ مساحتها ١٧ مليون كيلومتر مربع (مصر مساحتها مليون واحد للمقارنة)، يقطنها ١٤٤ مليون نسمة ينتمون إلى قوميات وأعراق وديانات شديدة التنوع، ولديها أكبر شبكة سكة حديد، وصناعات نووية، وصناعات سلاح وغاز وبترول وغابات لا حدود لها.. لابد أيضاً من الاعتراف بأن اتفاقية روسيا وحلف الناتو عام ١٩٩٧ التي نصت على “مراجعة العقيدة العسكرية الروسية وفقاً للحقائق الأمنية الجديدة على الأرض ”لم يعد لها قيمة الآن بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في ٢٠١٤، الأمر الذي كان النتيجة المنطقية لأحداث أوكرانيا، ورغبة الناتو في التمدد حتى تخوم الكرملين (تبعد أقصى نقطة في شرق أوكرانيا عن الكرملين ٦٠٠ كم تقريباً)، بما يعنيه ذلك من فرض هيمنة الناتو على البحر الأسود، وإزاحة روسيا إلى محيطها اليوروآسيوي وإنهاء أي تهديد لها لمصالح الناتو (من المثير للفضول أن حلف الناتو تمدد شرقاً منذ ١٩٤٩ وحتى اليوم من ١٢ دولة إلى ٢٨ دولة عبر ست مراحل، آخرها ألبانيا وكرواتيا أبريل ٢٠٠٩، كما أن هناك ثلاث دول تنتظر الانضمام إلى الحلف هي البوسنة والهرسك وچورچيا ومقدونيا، وتدور هذه الأيام مفاوضات ضم جمهورية الجبل الأسود إلى الحلف).

كذلك علينا أن ندرك أن روسيا تمر بمصاعب اقتصادية خانقة عقب الحصار الاقتصادي ضدها، وانخفاض أسعار النفط العالمي، ما أدى إلى إنهيار في العملة الروسية \”الروبل\”، كذلك فإن أحد أهم التحديات الراهنة أمام روسيا، تتمثل في ارتفاع معدلات الفساد بدرجة أعلى من مثيلاتها في مصر، فروسيا وفقاً لتقرير Transparency International لسنة ٢٠١٤ تشغل المركز ١٣٦ من أصل ١٧٥ دولة، بينما تشغل مصر المركز ٩٤ (تشغل دويلات الإمارات وقطر المركز ٢٤ و ٢٥ على التوالي).

لكن روسيا على الرغم من كل ذلك قادرة على أن تسبب صداعاً مزمناً لحلف الناتو في أوكرانيا والشرق الأوسط، الذي أصبح -مؤخراً- محوراً استراتيچياً هاماً لسياساتها الخارجية، فدخول روسيا على خط الحرب الأهلية السورية، ليس دفاعاً عن نظام الأسد، لكنه هجوم من أجل الدفاع عن حدود روسيا ومنطقة القوقاز الملتهبة منذ تسعينيات القرن الماضي.. إنها نفس حرب الشيشان المؤجلة والمنطفأة تحت رماد الإسلام الوسطي الصوفي المعتدل لرمضان قديروف رئيس جمهورية الشيشان التابعة لاتحاد روسيا الفيدرالي.

سوف تتمكن بنظرة على الخريطة أن تلمح التماهي الجغرافي لمنطقة سوريا مع القوقاز، حال انتصار الإسلاميين المتطرفين في سوريا والذين يضمون في صفوفهم عدداً لا يقل عن عشرة آلاف مقاتل من القوقاز وروسيا الاتحادية، ما يجعل الإمتداد الطبيعي لـ “الدولة الإسلامية” (برعاية تركية وتنسيق أمريكي وأموال سعودية/خليجية)، هو القوقاز “بطن روسيا الرخو”، ما يصب في نفس مصلحة الناتو التي تسعى إلى إزاحة روسيا من الغرب، وما يعني أن روسيا سوف تتنازل عن خطوط أمنها القومي إلى محافظة روستوف مثلاً، تاركة البحر الأسود منعزلة في محيطها اليوروآسيوي، الأمر الذي يحقق الأهداف الاستراتيجية للناتو من تسعينيات القرن الماضي، فأوروبا منزوعة الجيوش، والتي ترتبط حمايتها بمظلة الناتو، تشعر بالقلق إزاء تنامي المشاعر القومية الروسية، وظهور زعيم على غرار ڤلاديمير بوتين قادر على حشد “مهاويس” يشبهونه يلتفون حول “الهوية القومية” (دون الالتفات إلى نسبة شعبية بوتين الكاسحة داخل روسيا!)، إضافة إلى قدر روسيا التاريخي أن تكون دولة عظيمة محورية (خط الدفاع الأول عن العقيدة/الكنيسة الأرثوذكسية أحد المحاور الصلبة التي يستند إليها بوتين في تحديد الهوية الروسية).

ذلك القلق الأوروبي يترجمه حلف الناتو على الأرض بنشر صواريخه الدفاعية في جميع الدول الأعضاء، وتوسيع رقعة الدول المنضمة تحت لوائه، مقابل المارد الروسي الذي يحاول الاستيقاظ.

لكن بوتين مرغم لا بطل، وبصرف النظر عن وقت أو سبب أو هدف إعادة شحذ الهمة القومية الروسية، فإنها الآن واقع يفرض شروطه على أي رئيس روسي يتعيّن عليه الدفاع عن المصالح القومية الروسية التي تتلخص اليوم في الدفاع عن حدود روسيا ضد تمدد الناتو من الغرب (أوكرانيا) وتمدد الدولة الإسلامية من الجنوب (سوريا)، لذلك فإن عقيدة الجيش الروسي والسياسة الخارجية الروسية يتعاملان بمنطق براجماتي بحت، كذلك تحاول روسيا الدخول على خط الألعاب الإعلامية لقنوات الجزيرة والأناضول وسائر الأدوات الإعلامية التي ظهرت على الساحة في السنوات العشر الأخيرة، مستخدمة في ذلك قدرة مخابراتية عريقة في أروقة جهاز الكي جي بي التي تربى فيها بوتين، وفاضحة لهياكل فساد وتجارة وتنسيق بين تركيا والناتو ودول الخليج وبين إرهابيي الدولة الإسلامية وتنظيمات إسلامية مسلحة أخرى.

روسيا تتفهم تماماً استحالة المواجهة المباشرة مع تركيا أو الناتو، لكن ضرباتها الجوية لمصالح تركيا والناتو والخليج في سوريا والعراق، تمثل ورقة ضغط على تلك القوى، دون أن تتورط في مواجهات على الأرض، لذلك يصبح من المنطقي أن تدور المفاوضات بشأن الأزمة السورية الآن عقب التدخل الروسي في سوريا بين روسيا وأمريكا، بصرف النظر عن طرد روسيا من مجموعة الدول الصناعية الثمانية (الولايات المتحدة، اليابان، ألمانيا، إنجلترا، إيطاليا، فرنسا، كندا)، لتصبح الدول الصناعية السبع، وفرض عقوبات اقتصادية على الدب الروسي لجرأته على التدخل في رسم الحدود الجديدة لما تبقى من أوروبا الشرقية وما تبقى من فضاء الاتحاد السوفيتي، وبصرف النظر عن الدور الاقتصادي المتواضع لروسيا في ميزان الاقتصاد العالمي (قياساً إلى أوروبا وأمريكا والصين واليابان)، فروسيا أصبحت رقماً صعباً في التوازنات الدولية.

لقد صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ عام ونيف بأن “الحصار الغربي على روسيا سوف يكون له تأثير البوميرانج”.

لم تلتفت أوروبا، لم تلتفت إنجلترا أو أمريكا، ولم يلتفت العالم.. نظر العالم إلى بوتين كأسد جريح يحاول لملمة شمل الاتحاد السوفيتي، ويحاول جاهداً أن يبقي على جميع مفاتيح السلطة في يده وحده.

لقد منعت الحكومة الروسية استيراد اللحوم والدجاج والأسماك ومنتجات الألبان والخضروات من أستراليا وكندا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والنرويج، ثم عقدت صفقة صينية ضخمة في مجال الغاز الطبيعي مدتها ٣٠ عاماً، بقيمة ٤٠٠ مليار دولار، الصفقة التي وصفها المحللون بأنها \”نزعت مخالب العقوبات الاقتصادية الأوروبية والأمريكية\”، كما أسست روسيا الاتحاد الجمركي الذي دخل حيز التنفيذ الفعلي عام ٢٠١٠ بين روسيا وقازاخستان وبيلاروسيا، وكذلك اتحاد مجموعة دول بريكس لاقتصاد الدول الصاعدة والذي يضم كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا. فروسيا بوتين ليست كروسيا يلتسين، وبوتين يحظى فعلياً بشعبية واسعة وشرعية نظامه راسخة إلى حد يصعب معه اختراق المجتمع بثورات ملونة أو شخصيات دولية قادرة على التأثير، روسيا دائماً ما كان لها وضع خاص في التاريخ، منفصلة عن أوروبا ثقافياً، وعجزت أوروبا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية عن كسب تعاطف الشعب الروسي، بينما اكتسبت تعاطف قلة من المنتفعين والعملاء ورجال الأعمال، بينما يقف الشعب في معظمه كتلة متماسكة وراء القيصر الجديد.

لقد كان الظرف التاريخي الذي عقدت فيه اتفاقية روسيا وحلف الناتو عام ١٩٩٧ ظرفاً استثنائياً، كانت فيه روسيا بصدد الخروج من التاريخ، وكان انهيار حائط برلين، ثم اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوڤيتية مقدمة للعبة دومينو كبيرة، لم يكن الغرض منها تفتيت الاتحاد السوڤيتي فحسب، وإنما تفتيت جمهورية روسيا الاتحادية -الجمهورية الأكبر في الاتحاد- إلى دويلات صغيرة تدور في فلك حلف الناتو بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، أو تتنازعها صراعات عرقية ودينية (القوقاز مثالاً)، تزكيها أموال الخليج، وتنسقها المخابرات المركزية الأمريكية، ما ينسف أي قدرة لروسيا على خلق أي متاعب للحلف.

بعد انتصار الناتو في شرق أوروبا، وقدرته بعد ذلك على التدخل في مولداڤيا وچورچيا وأوكرانيا (الثورات الملونة بكل ألوان الطيف)، وقدرة المخابرات الأمريكية على زرع الوهابية في القوقاز (المنتمي بطبيعته التاريخية والاجتماعية والجغرافية إلى مذهب الصوفية!)، اكتسبت كلمات اتفاقية مايو ١٩٩٧معان جديدة، حددت بأثر رجعي قيمة وأثر شخصيات مثل جورباتشوف ويلتسين، في إضعاف الاقتصاد الروسي، وارتضاء \”مراجعة العقيدة العسكرية الروسية وفقاً للحقائق الأمنية الجديدة على الأرض\” -كما نصت الاتفاقية- فلم تعد أهداف وآليات القرارات المشتركة، والتعاون، والتشاور هي الجوهر الذي تبنى عليه العلاقة بين الناتو وروسيا وفقاً للاتفاقية، وإنما أخذ حلف الناتو على عاتقه ومن جانب واحد تحولات ومسئوليات تاريخية فيما يخص الأمن في القارة الأوروبية بكل ما يعنيه ذلك من حرية الحركة والتمدد، وضم أراض جديدة لهيمنة الحلف، والضغط على روسيا من أجل سجنها في محيطها اليوروآسيوي بعيداً عن أي تأثير في أوروبا أو في العالم. كان ذلك في مقابل المشاركة في بعض عمليات حفظ السلام لدعم الأمم المتحدة والمنظمة الأوروبية للأمن والتعاون، وإدارة بعض الأزمات في أماكن مختلفة في العالم (الدور الهزيل لروسيا في الرباعية الدولية لحل القضية الفلسطينية مثالاً!).

بعد أسبوع من مقتل النائبة البريطانية جويل كوكس (41 عاماً) عقب تعرضها لعمليتي إطلاق نار وطعن في بلدة بريستال شمال إنجلترا.. الحدث الجلل الذي كان متوقعاً أن يلقي بظلاله على استفتاء خروج إنجلترا من الاتحاد الأوروبي، جاءت نتيجة الاستفتاء تعبيراً عن حالة استقطاب حادة في المجتمع البريطاني.

لم يأبه المجتمع لأي اعتبارات قد تبدو “إنسانية” أو “عاطفية”، القاتل توماس ماير ٥٢ عاماً يعتقد أن له ارتباطات قديمة مع جماعة يمينية متطرفة في لندن كانت تناضل لسنوات عديدة من أجل مغادرة بريطانيا الاتحاد الأوروبي، لكن المجتمع البريطاني قال رأيه بالخروج، ما يعني أن ما يفصلنا عن  انفصال اسكوتلندا أشهر معدودات، تتبعها إيرلندا، ثم إقليم الباسك في أسبانيا ربما.. تعقبه الدول الإسكندنافية، وربما فرنسا وإيطاليا وألمانيا، لينكسر حلم الاتحاد الأوروبي على صخرة العناد الروسي!

لقد تمدد حزب الناتو شرقاً، خلافاً للاتفاق المبرم مع روسيا ما بعد الانهيار السوڤيتي، الذي وصفه بوتين بأنه “أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين”، وحاول ابتلاع ما هو أكثر من قدرته على الهضم، وحاول إغلاق البحر الأسود على روسيا، بعدما أغلق عليها جورجيا ومولدافيا، وحاصر روسيا اقتصادياً، وها هو الواقع السياسي الأوروبي (إنجلترا مثالاً) يرد على اختلال موازين القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية الناجمة عن انهيار حائط برلين ١٩٨٩، ومحاولة حصار/عزل/طرد روسيا من منظومة القارة الأوروبية.

حينما قال بوتين نكتته لأوروبا، لم يكن يعنيها في واقع الأمر، ولم تكن سوى مجرد طرفة مرتجلة عابرة.. لكن -على ما يبدو- العقل الباطن لرجل المخابرات العتيد، هو ما تحدث في تلك اللحظة، بدليل الصخب والجلبة حول النكتة، وما نراه الآن، مما قد يبدو آثاراً لتلك النكتة على أرض الواقع.

لمشاهدة نكتة بوتين، التي قالها في حضرة ميركل.. اضغط هنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top