ولاء الصياد تكتب: أسطورة الـ"الأسطورة".. والفن الوعظي

في بداية رمضان، قررت متابعة مجموعة معينة من الأعمال الدرامية، وفي حقيقة الأمر (الأسطورة) لم يكن من بينهم، نظراً لضيق الوقت، وكالعادة بدأ الهجوم مبكرًا هذا العام على \”محمد رمضان\” واتهامه بنشر البلطجة والعنف والسلاح والمخدرات والعفاريت والجن والعنقاء والوطاويط و..إلخ.. حينها فقط قررت مشاهدة حلقات مسلسل\”الأسطورة\”.. ما هو مش معقول الراجل كل سنة يعمل نفس الحاجة اللي بتزعل الناس يعني!

بعد مشاهدة عدد لا بأس به من الحلقات، لاحظت أن العمل على درجة عالية من الإتقان، ومميز عن الأعمال السابقة لمحمد رمضان، أو حتى عن الأعمال المطروحة حالياً على الساحة.

بعض المشاهد كانت واقعية، واهتم المخرج محمد سامي بتفاصيل كثيرة -في نظري- مهمة وفعالة وأفادت العمل وجعلته يتقدم خطوات ويصبح أقرب للواقعية، وتمثلت هذه المظاهر في اختيار مواقع التصوير والأزياء ولغة الحوار، وأشياء أخرى من الممكن أن تلاحظها بسهولة خلال متابعتك للعمل.

وبحديثنا عن الواقعية، اتهم بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي المسلسل بأنه يؤسس لمفهوم البلطجة، ويساعد على نشر الأفكار والمعتقدات التي تهاجم فكرة عدالة الدولة، وتساعد على تأصيل مبدأ \”حقي بدراعي\”، ودشن مركز شباب الجزيرة على مواقع التواصل الاجتماعي حملة مقاطعة للمسلسل قائلين فيها: \”اللى بيعمله محمد رمضان، إنه بيأسس لمفهوم البلطجة وفتوات الشوارع، وبيخلى كل واحد بلطجى مالوش شغلة ولا شغلانة يعمل نفسه أسطورة ويحاول يقلده.. محمد رمضان في المسلسل الجديد بالذات عايز يوصلنا إنك لو بنى آدم محترم (زى ناصر المحامى) هتتاكل حاف.. فإيه الحل؟ تتحول لبلطجى طبعًا\”.

تمعنت كثيراً قبل أن أكتب هذا الكلام الذي يعد وجهة نظر شخصية -لا أسعى لتعميمها ولا إجبار أحد على الإقتناع بها- هو من إمتى الفن وظيفته تقديم حلول والإرتقاء بالمجتمع؟!

أليس كل ذلك من فعل المجتمع نفسه؟ هل يعاقب الفن على طرحه قضايا شائكة في المجتمع، لكن يظل المجتمع يحمي تلك الظواهر بحجة إنها مش متشافة؟!

البعد الآخر والأكثر غرابة والأقل طرحاً لكل من تحدثوا عن ظاهرة \”الأسطورة\” هو: ليه المصريين كارهين انتشار \”الأسطورة\” للدرجة دي؟ ليه بيتم السخرية من المحلات والمقاهي اللي بتحط كراسي والناس تترص حواليها تتفرج على المسلسل، ويتم إتهامهم بنشر البلطجة؟!

لماذا يكره المصريون الأسطورة؟!

الحقيقة – من وجهة نظري أيضاً- إن المصريين بيحبوا وبيقبلوا البلطجة الشيك، بلطجة البدل ورجال الأعمال اللي بتطلع في الدراما بقالها سنين السنين، ومحدش كان بيتكلم!

رجل الأعمال الفلاني الحرامي، سيدة المجتمع الفلانية التي تقتل وتسرق، رجل القانون اللي بيحكم بالظلم.. كل هذه التركيبات والشخصيات ظهرت في الدراما المصرية على مدار الأعوام السابقة، ولم يقل أحد أنها تشوه المجتمع وتساعد على نشر السلبيات، وغيرها، وأعتبروها جزء من سلبيات المجتمع \”اللي من حق الدراما أو الفن يعرضوه بأريحية، طالما مش سنج ومطاوي وحواري.. يع!\”

ثانيةً.. لماذا يكره المصريون \”الأسطورة\”؟

غالبية المصريين -أو المعارضين للمسلسل حتى أكون منصفة- يكرهون تلك الطبقة التي بدأت فجأة يطلع لها صوت في الدراما.. طبقة سائقي التكاتك وجمهور الأغاني الشعبي والمهرجانات وساكني الحواري الضيقة.. مش حواري مصر الأصيلة، وعم عبده اللي بيغير على بنات الحتة والكلام القديم ده.. الحواري اللي بجد، حيث المناطق العشوائية.. اللي محدش بيحب يسمع عنها حاجة، ولا يعرف إيه اللي بيحصل فيها.

كره المصريون \”الأسطورة\”، لأنه أظهر هؤلاء، وجعل عددا كبيرا يتعاطف معهم.. يكرهون \”الأسطورة\” لأنهم لا يستطيعون تغيير الواقع، فيريدون إخفاءه وردمه بالتراب.. مش نطلعه في مسلسل يتابعه الملايين!

فكرة انتشار هذه الأعمال، تصيب هؤلاء بحالة ذعر، يشعرون أن الحقيقة تطاردهم في كل مكان، في المقاهي التي تعرض المسلسل.. في الشوارع التي امتلأت بأشباه \”رفاعي الدسوقي\” وهيئته وشكله.. يشعرون بأن جريمة ذلك المجتمع غير العادل ريحتها طلعت، وأصبح لها وجود على الأرض وفي الدراما وفي الشارع؟ وبقى ليهم مزيكا من إنتاجهم وبنت بيئتهم كمان.

أنا أؤمن بأن الفن ليس وسيلة لإصلاح وتهذيب المجتمع، ولا غايته نشر الفضائل، إنما هو طرح لبعض مشاكل وأوجه ذلك المجتمع بطريقة فنية، من شأنها أن تشعر المشاهد بالسعادة.. الفن يشعرنا بالسعادة حسب مدى تصديقنا له وإبداعية طرحه، لكنه لا يهتم على الإطلاق بالتهذيب والإصلاح، فمن يبحث عن الوعظ والقدوة، فعليه بالبرامج الدينية.. فليذهب للكنائس والمساجد والمعابد.

\”الأسطورة\”.. هو ما يحدث في مجتمعكم، لو قرفانين منه، صلحوه وواجهوه، أما الفن فهو براء من مساعيكم لجعله وسيلة تربوية وعظية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top