أتعجب دائمًا عندما أسمع أن فلانا الذي يعمل مهندسا، اعتدى على زوجته أو فلانا الطبيب؟ أهان وأذل زوجته، فالتعجب هنا ليس فى \”العنف اللفظى أو الجسدى\”، حيث إنه أمر نعانى منه منذ سنوات.
لكن العجب أن المستوى العلمي، لم يعد يمنع من الانحدار الأخلاقي، فهذا الطبيب أو ذلك المهندس أو الصيدلي أو غيرهم من خريجي كليات \”القمة\” -كما يحب أن يسميها مجتمعنا- على درجة من العلم تكفى أن يعى ويستوعب مدى خطورة ما يفعله.
أتذكر أيام جدودنا عندما كان يعامل الرجل زوجته بفتور أو جفاء، يقولون هذا الرجل \”غليظ\”، أي أنه لا يعرف فى \”الذوق\”، وكنت دائما أسمع جدى يقول: \”ده ضرب مراته! أصله ميعرفش يقدِّر الست، أصله ماكملش تعليمه\”.
لكن الآن لم نعد نعرف الفرق فى المعاملة بين الطبيب و\”المَعلِّم\”، أو بين \”المهندس\” و\”اللى مكملش تعليمه\”، فالتعليم وحده لم يعد مقياسا، وما كان يقيس عليه جيل أجدادنا، بات لا ينطبق على أحد فى هذه الأيام، بل أصبحت مقاييس مغلوطة.
العلم والثقافة كانا دائما، هما الميزان الذى على أساسه يقيس أجدادنا \”هل سيصون الرجل زوجته أم لا؟\”، ونوعا ما كان تفكيرا سليما، فمن المفترض أن العلم والثقافة تجعل الرجل يفكر بطريقة أكثر رقيًّا، وتكون لديه القدرة الكافية على \”ضبط النفس\” و\”تحليل المواقف واستيعابها بطريقة صحيحة نوعا ما\”.
لكن للأسف نحن فى مواجهة مشكلة أكبر، فلم تعد مقاييس السلف تناسبنا، ولم يعد العلم ميزان العقل، فقد سقطت الموازين صريعة الحداثة.
بعض الرجال قد يرجع الأمر إلى ضغوطات الحياة، ولكن إذا ما نظرنا الى الأجيال السابقة، فهم كانوا أكثر عرضة لهذه الضغوط، حيث كانت المواجهات على أشدها بدءًا من الحروب العسكرية مرورا بالحروب السياسية والاقتصادية، وانتهاءًا بحرب \”أكل العيش\” وإعالة أسرة كامله دون مقدرة من الزوجه على التدخل أو حتى المشاركة.
ورغم كل ذلك كان الكثير من الرجال يحترمون زوجاتهم ويقدرونهن، أينعم لا يمكن الجزم بأن جميع الرجال ممن عاشوا في الحقب السابقة كانوا أسوياء مع زوجاتهم، ولكن شخصية \”سى السيد\” الذى عكس مدى سطوة الرجل على أهل بيته وأحب بعض الرجال ارتداء عباءته فى تزايد وقد تصل نسبة هؤلاء إلى 60 %.
المثير للدهشة أن الأعوام القليلة الماضية شهدت تزايدًا ملحوظًا في وقائع العنف الأسري، على الرغم أنه يفترض أن تكون فى انحسار مستمر، خاصة بعد أن وصلنا إلى هذه الدرجة من العلم والتقدم ومشاركة الزوجة لزوجها فى تحدى مصاعب الحياة.
فالتقدم والحداثة يبدو أنهما لم يمتدا إلى أخلاقنا، فتفكيرنا وتعليمنا شيء وتصرفاتنا شئ آخر، ورغم أن تحليل العديد من الأطباء النفسيين لهذه المشكلة باعتبارها عقد نفسيه منذ الطفولة، أو مفاهيم خاطئة عن الرجولة؟ أو أنها ناجمة عن الضغوطات النفسية، التى يرى الرجل أنه يتعرض لها وحده دون المرأة، إلا أن كل هذه التحليلات والمبررات لا يمكن أن تتصدر وحدها المشهد، فنحن قد وصلنا إلى درجة كافية من الوعى تجعلنا ندرك أخطاءنا والعمل على حلها، بمختلف الطرق كاللجوء إلو طبيب نفسى، أو العمل على حل المشاكل التى تمثل عقدة ما، أو النظر إلى الحالات المماثلة فى المجتمع، للتعرف على ما إذا كان العنف حلا أم أنه طريق نحو السقوط.
ولم تستطع القوانين التى تُسن، والدراسات التى تعكس الواقع والإحصائيات التى تحذر من التفاقم، لم تستطع أن تحرك ساكنًا بحال هؤلاء الرجال عنيفي السلوك مع زوجاتهم، ولم ينتج عن هذه المشكلة إلا جيل صاعد مشوه نفسيًا وسيدات تزداد أزمتها يوم بعد آخر، ورجل يبحث عن ذاته من خلال العنف ولا يجده.
لا أحاول أن أكون نصيرة للمرأة على طول الخط وظالمة للرجل، أو التحدث عن العنف الأسرى الذى نسمع عنه ونراه يوميا، بداية من اللافتات الإعلامية التي تحذر من الآثار المدمرة لهذه الظاهرة، مثل حملة \”ماتسكتوش\”، وصولاً إلى المحاضر الشرطية التى تُقيد بشكل شبه يومي وتوثق حالات العنف ضد المرأة، ولكن ما أحاول أن أفعله من خلال قلمي أن أنوه إلى أن العلم والثقافة والوصول إلى أعلى مراتب التعليم، لم تعد المقياس الحقيقى للرجل، وانبهار بعض الفتيات بـ\”الطبيب\” أو \”المهندس\” أو غيره من أزواج المستقبل، ما هو إلا كبريق الذهب الصيني، فهو كاذب، وليس دليلا على صدقه واحتوائه لها مستقبلا.
هذه القضية التي كانت ولا تزال، وربما ستظل لوقت ليس بالقليل مثار جدل في المجتمع حول المقاييس الحقيقية للتعرف على الرجل الطبيعي -سواء أكان طبيبا أم عاملاً- أصبحت أمر مبهمًا، وتركت سؤالاً دون إجابة شافية، هل نحن بصدد تطور علمى وتدهور نفسى أم ماذا؟