محمد ممدوح يكتب: هدية إلى ترامب

بينما تقترب الإنتخابات الأمريكية بين المُرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون وبين المُتطرف -الأكثر جنونا في تاريخ السياسة الأمريكية- مُرشح الحزب الجمهوري, تذكر أحدهم أن هُناك ملهى ليلي للمثليين يبدو أنه تفاجأ من هذا الأمر، فأتخذ قرارا مُنفردا بأن يقوم بتصفية هذا الملهى الليلي، وبالطبع كان يصرُخ قائلاً: \”الله أكبر\”، وهو يقوم بتلك المجزرة التي نستطيع القول إنها حسمت نتيجة الإنتخابات الأمريكية لصالح المُرشح الجمهوري، الأمر الذي يؤكد أن أرماجيدون -بأي من الروايات المُتعددة لها- أصبحت على مقربة شديدة من الوقوع.

حقيقة الأمر أنا لا أستبعد أو أؤكد نظرية المؤامرة، وبما أنني لا أنتمي لفريق المُحللين الأستراتيجين، فأنا لا أستطيع أن أُفند أو أُناقش النظريات المُتعددة لهذا الحادث وتوقيته ودوافعه، حتى لو كانت الرائحة تزكُم الأنوف.. السؤال الأهم بالنسبة لي: من أعطاك الحق؟

دعونا نتفق أن في الديانات الإبراهيمية أو السماوية، فإن النظرة العامة للمثلية الجنسية هي أنها ذنب وأثم كبير، فهي مُخالفة لفطرة وطبيعة الحياة من الأساس، وأن الشرائع الدينية المُختلفة تمقتها وبشدة، وبالطبع رواية قوم لوط وقريتهم موجودة بتشابه في الأديان السماوية الثلاث، ولكن تبقى فكرة أن شخصا ما قرر من تلقاء نفسه أن يقوم بدور يد الله التي تُعاقب الخُطاة والآثمين، هي فكرة غاية في الرُعب والبشاعة في نفس الوقت.

لا اتفق والكثيري غيري مع المثلية الجنسية، ولكن هل هذا يعني أنها ليست موجودة، أو أنهم ليسوا بشرا، أو أن هذا الأمر ينتقص من حقوقهم، خاصة في دولة مثل الولايات المُتحدة الأمريكية، والتي يُمكنك أن تفعل فيها ما تشاء، طالما كان في إطار القانون والدستور؟ وحتى إن لم نكُن في الولايات المُتحدة الأمريكية، وكُنا في دولة ذات شريعة تُجرم مثل هذا الفعل، هل أنا الولي على الناس كي أقوم بانتحال صفة القاضي، ودون مُحاكمة عادلة أُصدر حُكمي وأقوم أيضاً بتنفيذه؟

بالطبع الإجابة المنطقية هي دائماً لا، فليس من المعقول أو المقبول أن أقوم بمثل هذه الأدوار غير المطلوبة مني أساساً.

دعونا نتخيل أنني في يوم من الأيام أنتقلت للحياة -أنا وأُسرتي- إلى الولايات المُتحدة الأمريكية، بالطبع قبل أن أنتقل للحياة هناك والذي يتمناها الكثيرون، فأنا مُدرك تماماً أنني ذاهب إلى مكان آخر -مختلف عن المكان الذي انتمي إليه- له عادات وتقاليد وطقوس وقوانين مُختلفة عن تلك التي أعتدت عليها، ولأنني أتمنى أن أذهب إلى هُناك، أو أن تلك هي رغبتي ولم يُجبرني أحد على الذهاب إلى هُناك، فهذا يعني موافقة ضمنية مني على كُل ما هو موجود من الأصل في ذلك البلد، وأنني لستُ المبعوث الإلهي إلى أرض الفسق والفجور لأقوم بتحويلها إلى الطهارة والنور، وحتى إن كان في نيتي تحويلها للطهارة والنور -فرضاً- فأعتقد أن آخر طريقة سأفُكر بها هي أن أقوم بقتل كُل هذا العدد من البشر.

وبينما قال الله لسيدنا موسى وأخيه هارون، أذهبا إلى فرعون فقولا له قولاً لينا، فإن هُناك من يعتقد أن القول يجب أن يكون مصحوباً بالدماء وإزهاق الأرواح، وبينما الأفكار الجيدة لا تحتاج إلى القوة كي تنتشر، فهُناك من يعتقد أن فرض أفكاره بالقوة هو الطريق السليم.

المُهم.. دعونا نتخيل أنه بعد أن أستقريت وحصلت على كافة مُميزات المواطن الأمريكي، أكتشف أن الجار الساكن بجواري.. هذا الذي نُلقي عليه تحية الصباح، مثلي الجنس، ما هو الضرر الواقع علي من هذا الاكتشاف؟! أو أكتشفت أنه على بُعد أمتار مني هُناك ملهى ليلي للمثليين.. ما هي المُشكلة التي أواجهها؟! ولو تخيلنا أن هُناك مُشكلة، فالحلول المطروحة أمامي سهلة وبسيطة.. إما أن أرحل عن هذا المكان الذي أستقريت به، أو أرحل عن الولاية التي أعيش بها، أو أرحل عن الدولة نفسها.

هُناك تيارات دينية أصولية مسيحية موجودة بالولايات المُتحدة الأمريكية ترفُض المثلية، ولكن ضغط القانون والمُنظمات الحقوقية والحُريات، أجبرها على تقبُل الواقع الذي تعيشه على أرضها، فما بال ذلك القادم من الشرق الأوسط بكُل ما به من أحتكاكات ومشاكل وحروب، يُريد أن يصنع مُجتمعه الخاص على أرض جديدة بالنسبة له؟!

الأمر هُناك ليس تحيُز للمثلية أو كُره للأديان،الأمر هُناك وببساطة تحيُز للقانون وللحُريات، طالما أنت في مساحة حُريتك، ولم تخترق القانون، فأفعل ما شئت. أتذكر يوم أنا قال لي صديقي السلفي الأمريكي -حالياً- على برنامج الدردشة الشهير هوت ميل ماسنجر \”إنني أعبُد الله هُنا أفضل مما كُنت أعبُده في بلدي\”.. إنها الحُرية يا صديقي.. أنت يُمكنك أن تفعل ما شئت، طالما داخل الإطار القانوني.

كُنت أتحدث كثيراً مع الأصدقاء وأحاول أن أُوضح لهم أن العلمانية ليست في عداء مع الأديان كُلها -بصورة عامة- وليست في عداء مع الإسلام بصورة خاصة.. العلمانية هي علمانية الدولة، وليست علمانية الفرد، فالدولة لا تُفضل أبناء دين مُعين على باقي مواطنيها، وللمواطنين الحق في إعتناق أو عدم إعتناق أي من الأديان المُختلفة، ومُمارسة شعائرهم دون أية مُضايقات أو تضييق عليهم، بل وأحياناً تقوم الدولة بتوفير سُبل مُمارسة تلك الشعائر لهم، وتُساهم في دمجهم مع المُجتمع الموجود.

إذا كان هذا الأمر لا يروق لك، أو أن هذا المُجتمع لا يروق لك، فلماذا لا ترحل عنه في سلام وفي هدوء.

أتذكر يوم قال لي أحد الشيوخ الأفاضل إن القتل هو عمل عظيم وجريمة كُبرى، بل إنها أول الجرائم المادية التي أرتُكبت على وجه الأرض، وأن مقاصد الشريعة الإسلامية هي حفظ النفس والمال والعرض وإعمار الأرض، فقُل لي بالله عليك، أي من تلك المقاصد فعلها هذا المأفون بفعلته الشنعاء؟ حقيقة الأمر إنني أرى أن المقصد الوحيد الذي فعله، هو أنه منح مقعد الرئاسة الأمريكية لترامب، وهذا المقصد لم يكُن من ضمن مقاصد الشريعة الإسلامية التي تحدثنا عنها.

الآن، سيبدأ الجميع في الحديث عن أن هذا ليس هو الإسلام، وعلى الجانب الآخر سيتحدث العديد عن أن هذا هو الإسلام – ولمن يقولون إن هذا هو الإسلام، أقول لهُم: أنتُم حقاً لم تختلفوا عن الإرهابيين والمُتطرفين، فكلاكما يرى الإسلام على أنه دين يطلُب من أتباعه مُمارسة القتل والتدمير بكُل أريحية، ولكن نحُن من نقول: لا ليس هذا هو الإسلام، فنحُن من نُدرك ما هو الدين وما يطلُبه من أتباعه، وما هي أحكامه ومقاصده.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top