شريف عازر يكتب: محمد منير.. فلتساعد القضية النوبية أو لتصمت

لا توجد مشكلة لدي أن الفنان محمد منير يقرر أن يقوم بعرض قصة حياته في مسلسل رمضاني، فهو حر والمنتج حر والمخرج حر والمشاهد حر.

ولست أيضا بصدد الكلام عن المستوى الفني للمسلسل، فأعتقد أن أعمال شريف صبري كلها محافظة على نفس المستوى المتوسط الذي لا يضيف أي شيء جديد. مشكلتي مع مسلسل (المغني) هو تناوله للقضية النوبية وأحداث التهجير، فمن الواضح جدا أن المسلسل متبني وجهة نظر حكومية، يحاول أن يروج لها بعكس الواقع والتاريخ لتحسين صورة النظام، والتعتيم على مطالب النوبيين وحقهم في العودة.

يحاول المسلسل أن يوصل فكرة لا تمت للواقع بأي صلة، ألا وهي أن النوبيين كانوا سعداء بالتهجير، وبعضهم كان يعتقد أن هذا في مصلحتهم ومصلحة البلد! بينما واقعيا لا يوجد ما يبرر هذا الموقف إطلاقا، لكوننا جميعا نعرف مدى ارتباط النوبيين بأرضهم ومنازلهم، وارتباطهم بالنيل، لأن هذه العناصر من المكونات الأساسية للثقافة النوبية، والتي تنعكس في جميع عناصر حياتهم، بما فيها الفنية والثقافية، وأيضا تشكل أكبر جزء من الهوية مقارنة مثلا بالهوية الدينية الغالبة على معظم سكان مصر.

فعندما تجد في أحد مشاهد المسلسل أحد قيادات النوبة، وهو يعدد في مزايا التهجير، ستدرك مدى عبثية هذا الحوار، وتشعر أنه حوار مكتوب على يد من قاموا بالتهجير القسري أنفسهم، وليس على لسان النوبيين!

بالإضافة طبعا لبعض الأخطاء التاريخية في نفس الحوار السابق ذكره، فمثلا تجد أحدهم يذكر قرية \”نصر النوبة\” على إنها إحدى القرى التي سيتم تهجيرها، بالإضافة لقري أخرى مثل \”كلابشة\”، علما بأن قرية نصر النوبة هي قرية تم إنشاؤها بعد التهجير (حوالي 1963) لتكون هي عاصمة القرى الجديدة التي تم التهحير لها بعيدا عن مجرى النيل، وليست من القرى التي تم تهجيرها.

لن أتحدث كثيرا عن الدقة التاريخية في اللغة واللهجة المستخدمة، لأنها لا تمت للهجة النوبية العربية بصلة، علما بأن وقت التهجير لم يكن هناك بين النوبيين من يتحدث العربية أصلا! وكان الجميع يتحدث اللغة النوبية بلهجتيها، وأيضا هناك مشهد الباخرة التي أقلت المهاجرين، وظهرت كأنها من بواخر النيل التي كان يأتي عليها السياح، وهذا طبعا غير حقيقي، فقد تم التهجير على \”صنادل\” نيلية صغيرة.

أما المشاهد الكارثية في المسلسل، فكانت تلك المشاهد التي تحاول أن تمجد جمال عبد الناصر على لسان النوبيين، وهو أمر غير معقول إطلاقا، ومن الواضح أن من كتب العمل أراد أن يلصق بالنوبيين أفكارا وتوجهات عكس الواقع تماما! كما فى مشهد الطفل -مثلا- وهو يتمنى عندما يكبر أن يصبح زعيما مثل جمال عبد الناصر! ففي مثل هذه الحقبة التاريخية، كان عبد الناصر هو من قرر أن يحرمهم من أرضهم وبيوتهم ونيلهم، وقرر أن يلقيهم في عمق الصحراء، فكيف لطفل أن يعتبر ناصر مثلا أعلى؟!

أما المشهد الأكثر عبثية على الإطلاق، فكان مشهد التهجير نفسه، ونرى طفلا في صفوف المُهجّرين وهو يحمل صورة عبد الناصر، وعندما سقطت من يده، صرخ فيه أبوه قائلا: \”خلي بالك من الصورة دي.. دي صورة الزعيم جمال عبد الناصر!\” للأسف.. إقحام مثل تلك الحوارات في المشهد، قتلت تماما واقعيته، لأنه من المستحيل أن يكون هذا رد فعل أحد النوبيين أثناء التهجير نفسه!

عموما.. المشهد بأكمله كان غير مقنع، وأضاف المخرج له موسيقى تدل على الفرح، وهو أمر غير واقعي بالمرة، ويجافي قسوة ومرارة التهجير!

بعد مثل هذا المشهد، كان من الطبيعي أن يثور النوبيون ضد المسلسل، لأنه ببساطة يضر القضية النوبية بشدة، ويحاول إظهار أن النوبيين كانوا سعداء بالتهجير وبقرار عبد الناصر، مما يضر موقفهم الحالي المطالب بحق العودة، وخصوصا بعد أن حققوا إنجازا دستوريا في تضمين حق العودة للنوبيين في دستور مصر الجديد (المادة 236)، فرأينا صفحات النوبة على التواصل الاجتماعي وهي تدعو لمقاطعة المسلسل، وإنشاء هاشتاجات مثل #المغني_لا_يمثل_النوبة، ولهم الحق تماما، لأن المسلسل يبث فكرة لا تمت للواقع بصلة، وأيضا تضر بموقفهم الحالي.

يجب علينا أيضا أن نتفهم أن النظام الحالي يماطل في تنفيذ المادة (235)، بل إنه أيضا يرتكب مخالفات أكثر، من شأنها مصادرة أراضي أكثر من النوبيين، وقرارات تقطع عليهم الأمل في العودة تماما، فبعد أن ظن النوبيين أن هناك أملا في العودة بعد النص الدستوري، فاجأتهم الحكومة بطعنة في الصميم قضت على هذا الأمل، وهي إصدار القانون (444) لعام 2014 بشأن تحديد المناطق المتاخمة لحدود جمهورية مصر العربية والقواعد المنظمة، والذي ينص على حظر27 قرية نوبية ومعاملتها كمناطق عسكرية في النوبة القديمة، مع توزيع 17 ألف فدان، وألف مسكن في توشكى للمغتربين.

شكّل هذا القانون صدمة كبيرة للقيادات والنشطاء النوبيين، ليس فقط لأنه يحظر 27 قرية نوبية بعد أن كان متوقعا أن تتم إجراءات العودة لها، لكن لأنه صادر عن نفس النظام الذي أصدر الدستور الذي ينص على حق العودة! وأيضا كان من المؤلم جدا دخول القوات المسلحة المصرية طرفا في الصراع، وتحويل هذه القرى لمناطق عسكرية، مما زاد الإحساس بالطابع العسكري للدولة، والذي لا يعد بأي حقوق، ويقطع الأمل في العودة.

صراحة.. أنا لا اتفهم موقف محمد منير المخزي هذا، ولا يوجد تفسير له إلا أنه قرر أن يتواطأ مع النظام الحالي لتحييد القضية النوبية وتفريغها من مضمونها، في الوقت الذي تتعرض فيه لانتهاكات أكثر، وفي أشد الحاجة لمساندة أحد أبنائها.

لكن يبدو أن منير قرر أن يكون بوقا للنظام، وأن يتخلى عن قضية أهله.

مسلسل مثل هذا، كان يمكنه أن يسلط الضوء على القضية، ويساعد كثيرا في نشر الوعي عنها، وتشكيل ضغط على الحكومة لتنفيذ الوعود الدستورية، ولكن منير قرر أن يقوم بالعكس ارضاء للنظام.

وفي نفس المسلسل أيضا، يتضح جليا موقف منير المؤيد للنظام بانتهاكاته، فنجده يعلق على مطالبة الإعلامي باستقالة وزير الداخلية بعد عرض فيديو تعذيب، فنجد تعليق منير هو: \”إيه الهبل ده؟!\”!

وفي مشاهد أخرى، نرى منير وهو ينتقد الثورة، مؤكدا على أن ثمن الثورة هو الفوضى، علاوة على مشاهد المواعظ الفارغة في مشهده مع ألتراس محمد منير، وجمل الحوار الركيكة عن أن زمان كانت المعاكسات للفتيات مؤدبة، والآن صارت مش مؤدبة!

أنا لست نوبيا، ولكني قريب جدا من الحراك النوبي وحركات المطالبة بحق العودة وتفعيل الدستور، وأرى أن ما فعله منير هو خيانة كبيرة للقضية النوبية، في الوقت التي هي في أشد الحاجة لدعمه.

فيا أيها الفنان النوبي الكبير، لو أنك قررت عدم دعم القضية النوبية، فعلى الأقل اصمت ولا تتناولها، فذلك أفضل كثيرا من أن تتناولها بالسلب وتضعف من موقفها، والذي هو على المحك أصلا في ظل دولة قمعية تنتهك دستورها وقوانينها بنفسها. أرجوك يا (كينج).. فلتساعد القضية النوبية أو لتصمت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top