أول تعارف:
فى مقال بديع لبلال فضل عن الكتب التى يرشحها للقراء، قرأت بين الأسماء اسمها. أول ما خطر ببالى \”اسمها رضوى\”، يعنى غالبا كاتبة شابة فيمينيست، وحتزهقنا بقى شتيمة فى الرجالة، بلاش الكتاب ده.
بعدها بفترة سمعت قصيدة ابنها تميم البرغوثى، وهو يذكر فى قصيدته \”قالولى بتحب مصر\” أنه ابن رضوى عاشور، اللى حملها ما يتحسب بشهور.. إذن فهى أم، وأم يفتخر بها ابنها ويذكر اسمها بفخر على رؤوس الأشهاد.. مابدهاش بقى، لابد من قراءتها، والقراءة لها.
الكاتبة:
أستاذة الأدب الإنجليزى المتمكنة من أدواتها، والتى لا تتعالى على ثقافتها،
اتسلل بين كتاباتها بين الرومانسيه الفائقه ورقتها فى وصف المعتقلات (أى والله فى منتهى الرقه)، والتعامل مع التاريخ العربى فى الأندلس فى \”ثلاثية غرناطة\”، لا من منطلق البكائيات والحروب، وإنما سرد بديع للحظة سقوط.
تختار شخصيتها بعناية \”مريمة\” الأنثى التى تنجح فى مناكفة الواقع، ليس النصر فى أولوياتها، وإنما الاستمرار، وهو واجب لو تعلمون ثقيل.
وأصل إلى قراءة \”الطنطورية\” والجهد الوثائقى العظيم الذى لا يؤثر على متعة القراءة، وإلى أن يصبح لدينا نظام تعليمى يعنى ببناء إنسان ووعى وثقافة، يضع ما كتبته فى مكتبات المدارس وفى المناهج، انصحكم بأن تقرأوا الرواية المدعومة بالوثائق لأحداث ومرحلة فاصلة فى أمتنا.
مواجهة بسيطة.. اقرأوا كل ما كتبت السيدة.
الأستاذة:
ونأتى إلى ما هو \”أثقل من رضوى\”، لا تبالى الرائعة، وتضع شذرات، وأحيانا تفاصيل من حياتها الشخصية والأكاديمية، بداية بوصف مدرستها إلى دراساتها العليا (استمتع بمذكرات السيدة راء، وفرج، وأثقل من رضوى) بموهبة الأستاذة رضوى.
تعرض ملاحظاتها الذكية عن العملية التعليمية وطلابها وجامعتها.
كما وضعت بين دفتى الكتاب الثقيل تفاصيل مرضها الأخير، وقامت –بأناقة- بتجريس القيادات الجامعية التى حاولت استثمار مرضها فى الدعاية لأنفسهم.
حسنا.. ردت هى بعمل أدبى مستمد من الواقع، ووثقت ما فعلوه فى كتاب يبقى أبد الدهر.. خطأهم أنهم استهانوا بعقليتها واعتزازها بكرامتها.
تقص علينا الأم والمثقفهة الواعية وأحد قيادات 9 مارس لاستقلال الجامعات، واليسارية النزيهة أحداث الثورة كما رأيناها، وتصوغها كأجمل ما يكون.
انظر لجيلى وما دونه سنا، لاقول لنفسى (مش لو كان لسان حالك وكلامك كده أمام الأبواق الإعلامية، لكنا فى مكان غير المكان؟ مع تنهيده محسورة).
ثم أحمد الله أن هناك عينا عميقة وثاقبة التقطت الصورة وخلفياتها لتوثقها لمن هو قادم، لم أنجح فى إكمال قراءه الكتاب لأنه أثقلنى بما لا أطيق فى هذه المرحلة.
المناضلة:
ككل ما هو قيم فى بلادنا، لم تلق السيدة الحفاوة التى تستحقها، والتى يدركها كل قارئ أو دارس للأدب، يمكن بسهولة معرفة أنها تقف على مسافة من السلطة فى استغناء، وأنها يسارية نزيهة، ناجحة ومشتبكة مع الواقع بايجابية.
تقريبا ذكرنا كل ما يكرهه المسئولون المتقزمون فى مصر، ولذا لم يتم إلقاء الضوء عليها ولا تكريمها بصورة كافية.
كما عرفت عنها الحذر عند الاقتراب من الدولة ورفضها لتولى منصبا فى المجلس القومى للمرأة ومناصب أخرى عرضت عليها.. لا يمكن شراء السيدة.
الأم والسيدة القدوة:
تروى فى كتها تفاصيل من حياتها الحافلة، من مأساة تفريق أسرتها الصغيرة بأفاعيل السياسة، إلى المفارقات التى وضعتها الأحداث فيها، تتناول الغداء مع غسان كنفانى، وتستضيف مع زوجها الرائع الشاعر مريد البرغوثى ناجى العلى.. التاريخ يتضافر مع وقائع حياتها، وهي تصوغ ذلك ببراعة.
تترك السيدة معاركها مع الدنيا لتستريح، وتترك خلفها طفليها، نعم الزوج المحب والابن الأحب يعتريهما الذهول فور تركها لهما، ولكن تلك طبائع الحيوات، كأم قلبى ينفطر لهما لمعرفتى بحجم الحب الذى يكتنف هذه الأسرة.
والجدير بالتوثيق فى أفلامنا وحواديت الجدات، عند وفاة الأم، يستحضر كل إنسان أما بديلة، قد تكون الخالة أو المعلمة.. فى حالتى، أتتنى صورة السيدة رضوى بعد وفاة أمى، هى كأمى، رقيقة قوية فى الحق، أستاذة جامعية متمكنة، وأم لا تقارن.
كان ولاويزال مشروع كتابة دليل للتربية للأمهات المصريات يتكون فى مخيلتى، وجمع تجارب ناجحة لتروى للأمهات الشابات، وضعت اسمها على رأس القائمة التى ارغب فى جمع خبراتهن، على أمل اللقاء، ولكنى لم احظ بفرصة لقائها وسؤالها.
تطالعنا وسائل الإعلام الموجه بنماذج تتأرجح بين الابتذال والبؤس، بينما لم تفطن أو اختارت ألا تشرق على شاشاتها السيدة ذات الحديث الرائق والذوق الرفيع والفطرة السليمة، وربما كانت هى من تترفع عن الظهور على شاشات العجب العجاب كما اختار كتاب آخرين.
\”من قال إنى لا أملك حكايتى، ولست فاعلة فى التاريخ؟\”.. أيوه صحيح،
السيدة تثبت أنه من الممكن أن تكونى ناجحة مهنيا، وسيدة راقية، وغير منسلخة عن هويتك وثقافتك، ولا تعادين واقعك، بل وتساهميين في تغييره. وهل من شئ آخر نرجوه من النساء؟
السيدة رضوى عاشور، رضوان الله عليها.. كل سنة وأنتى طيبة.
رثاها الكثيرون بكلماتها فى \”ثلاثيه غرناطة\”: \”لا وحشة فى قبر مريمة\”، ولكنى أفضل أن أذكرها بألاّ وحشة فى حضن رضوى.