محسن عوض الله يكتب: السيسي والسادات.. وبينهما ليبرمان

 

 

فى ظهر يوم شديد الحرارة بقلب مدينة أسيوط فى صعيد مصر، تجمع رئيس مصر ووزرائه للاحتفال بافتتاح محطة كهرباء جديدة تسهم بشكل كبير فى الحفاظ على النجاح الذى حدث فى مواجهة أزمة الكهرباء.

كان الجميع فخورا بوزير الكهرباء المحترم الذي نجح خلال أشهر معدودة فى إنهاء أزمة ساهمت بشكل كبير فى إسقاط حكم الإخوان.

تحدث الرئيس وأفاض في الحديث عن الإنجازات الملموسة التى لا يشعر بها المصريون، ولا يتحدث عنها الإعلام \”الفاسد\”، ويشوهها دائما أهل الشر، وكيف أنه استطاع خلال فترة قصيرة تحقيق مشروعات لم تكن لتتحقق فى عقدين من الزمان.

صمت الرجل فجأة وبدون مقدمات، غيّر محور حديثه بشكل كامل، نسي أسيوط والصعيد، نسي الكهرباء والإنجازات، تجاوز فى كلامه كل الحدود، وأطلق مبادرة شاملة لحل نهائي للصراع بين العرب وإسرائيل!

تحدث الرئيس وكأنه لم يتحدث من قبل، استخدم السيسي كلمة فلسطين، ولم يذكر السلطة الفلسطينية، وهو ما يعني مشاركة حماس فى المفاوضات -حتى لو لم يذكر ذلك صراحة- ولا يمكن اعتبار هذا الحديث محض صدفة، فهو وإن ظهر ارتجاليا، إلا إن غرابة المكان والحدث الذي أطلق منه السيسي مبادرته، تدفع باتجاه أنه معد مسبقا، وإن ظهر غير ذلك.

ولا يمكن تجاهل توقيت إطلاق المبادرة، والتى تأتي بعد أقل من 24 ساعة من إعلان حركة حماس إحباط مخطط لاغتيال شخصيات مصرية، بينهم الرئيس السيسي!

الشىء اللافت للنظر، هو دعوة الرئيس السيسي للقادة الإسرائيلين أن يذيعوا خطابه للرأى العام الإسرائيلي مرة واثنتين -بحسب كلامه- وذلك للاستفادة من تحقيق السلام.

وهو الأمر الذي استجابت له القيادة الإسرائيلية بسرعة البرق، وبثت جميع القنوات الفضائية الإسرائيلية خطاب الرئيس عدة مرات على مدار اليوم بعد ترجمته للعبرية.

ولكن هذه الاستجابة السريعة، والتفاعل الإسرائيلي مع دعوة السيسي للسلام الدافىء، قابلها إجراء مناقض تماما من جانب رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو، فبعد أقل من 48 ساعة من خطاب السلام، شهدت الساحة الإسرائيلية تطورا جديدا بعد ترشيح اليميني المتطرف ليبرمان رئيس حزب \”إسرائيل بيتنا\” المتطرف، كوزير للدفاع خلفا لموشيه يعالون.

تعيين ليبرمان يجعل من حكومة نتنياهو شديدة التطرف، وهو ما يتناقض مع دعوة السيسي لسلام دافى، خاصة أن ليبرمان لا يعرف سوى لغة القوة والدم، فهو من هدد بضرب السد العالي، كما دعا لضرب رؤوس عرب 48 بالفأس إذا لم يعلنوا ولاءهم لإسرائيل، فضلا عن دعواته لإسقاط الرئيس الفلسطيني محمود عباس، واحتلال غزة، والقضاء على حركة حماس.

قد يكون الرئيس السيسي حسن النية فعلا، ويرغب فى سلام شامل بالمنطقة، ولكن هذا السلام لا يمكن أن يتم فى ظل حكومة إسرائيلية توصف بأنها الأكثر تطرفا فى تاريخ الكيان الإسرائيلي المتطرف بطبعه.

الحديث عن سلام شامل، لا يمكن أن يحدث فى ظل رفض إسرائيل الانسحاب من هضبة الجولان، وإعلان نتنياهو أن الهضبة ستظل إسرائيلية مدى الحياة.

قبل أن نتحدث عن سلام دافىء وعلاقات مودة وحب مع الإسرائيلين الذين قتلوا جنودنا وأسرانا فى 67، علينا أولا أن نفك حصار أهل غزة ونعقد معهم اتفاقية سلام تحفظ حقوقهم كبشر لهم الحق فى الحياة والعلاج والتنقل.

قبل أن نتحدث عن سلام دافىء مع القتلة، أخرجوهم من الجولان التى كانت يوما ما جزءأ من الجمهورية العربية المتحدة، التى ضمت مصر وسوريا تحت زعامة عبد الناصر.

سيدى الرئيس.. رغبتك فى تحقيق السلام محمودة، ولكن لا سلام مع إسرائيل دون وقف الإستيطان والعودة لحدود 67 وعودة اللاجئين.

سيدي الرئيس.. أنت لست السادات، ونتنياهو ليس رابين، والمصريين لن يقبلوا أن يدنس رئيس الوزراء الإسرائيلي أرض المحروسة، كما أن قيامك بزيارة تاريخية لتل أبيب – إذا كان مخططا لذلك أن يحدث- قد تمنحك نوبل للسلام، ولكنها ستفقدك ما تبقى من شعبيتك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top