غالبًا ما ردّدت هذه العبارة في كل مرّة يتم خذلاني فيها، في كل موقف يمُر بي ويمُر معه بعضٌ مني كان ظاهرًا للعيان حينذاك.
\”ساندين على حيطان مايلة\”.. تتعدّد حوائط تلك الغرفة المرافقة لي في كل حلٍّ وترحال.. كأنّها الـ5 سنتيمتر مساحة شخصية.. يتبدّل حائط بحائط لا يختلف معه في اللون ونوعيّة الطلاء.. ولكن يتفق معه في الميلة.. حائط مائل، مال بك، وبه مِلت.. ولم تصبح فقرات الظهر على نفس الخط الذي يستقيم به جسدك، بل أصبحت كيسًا جلديًّا يحوي عددًا من الفقرات العظمية، ورأس.
يوم الجمعة يوم ممل، مهما اتفقنا على بركة هذا اليوم، سنتفق أيضًا على ملله، ولكني وجدت له مفهومًا مختلف؛ كفّارة لما بينهما.. وبينهما ليست تلك الذنوب الصغيرة والمعاصي الهينة، بل تلك الأفكّار التي تؤجلها كل ليل لليوم الذي يليه لأنك لن تقدر على دفع ضريبة السرح بخيالك، وخصم مرتبك بسبب ضغطّة تأجيل صفّارة المنبه في الصباح الباكر.. لما بينهما من تلك الدموع التي تُخفيها في دورات المياه والتي تقتصر على دمعتين بينما تحتاج الى نشيج وصراخ به يبرد الصدر ويستريح، لأنك لن تستطيع مواجهة زميلك في العمل بعين منتفخة، وأخٍ يتفاجئ من صوت صرخة مفاجئة من الغرفة التي تجاوره.. وبينهما من كل حرف كتبته في رسالة حمقاء ومسحتها كالعادة، لأنك لا تدرك إذا كان الطرف المقابل يشعر بما تشعر به أم هو نائم يشخّر بصوت يُربك جيران عمارته، بينما أنت هائم في بحر أحزانك.
يأتي صباح الجمعة لتكفّر عن ميلة كل حائط مال بك الأسبوع الذي مضى، ولتستعد به على ميلة جديدة وباتجاه مختلف للأسبوع المُقبل.
ساندين على حيطان مايلة.
حائط الصديق الذي ظهر في حياتك بلا حولٍ ولا قوّة، فتكيّفت على وجوده المفاجئ بأنه جُند من جنود اللّه التي تجبر خاطرك المكسور دائما، ومن هذا المنطلق؛ تحيا.
فتعتاده ويعتادك، وتجده يلمس بأصابعه الحانية فقرة آيلة للسقوط من فقرات ظهرك، ويسندها لك.
ثم بلا حول منك ولا قوّة، يخِّف سنده، كأنما توزيعة الله لجنوده تبدّلت بعد الاعتياد فجأة، تمهيدًا للرحيل، فيرحل، يرحل ومعه الحنان والسند الذي اعتدته، وفقرة ظهرك التي أصبحت ملكه، وتميل.
حائطة العمل، التي تدعم كل فقرة من فقرات ظهرك بخطوط خارجية، تحافظ على موضعيتها واستكانتها، خبرة، علم، تعليم، شغف، ومال اكتسبته بعرق جبينك.
لتجد نفسك في \”سوق\” العمل، مزادات لاستبدال الروح بتروس، ببخس الثمن، ينطفئ الخط الذي كان يحيط بتلك الفقرات، فتكتشف وهميته، مثل الخط المتقطّع المرسوم في الخرائط الجغرافية الموضّحة للحدود المتنازل عنها.. وتميل.
كل الحوائط تميل بك، تستند على الحائط الذي به تكن على الصراط المستقيم، يسمع النشيج ويبدّل الفقرات المهترئة والمسوّسة بفقرات أكثر صحّة مدعمة بالكالسيوم، لا تعلم حكمته، يعلم ما بنفسك ولا تعلم ما بنفسه، هو السند، ولكن بسبب هوى نفسك، تميل.