كانت الزهور في الخلفية قد بدأت في الارتخاء معلنة عن أنها قد اجتثت من أرضها على عجالة لتزين المكان، بينما هي تحتضر خلف المنصة الفارهة، تحدث سيادته عن مشاريع عملاقة أخفاها وما زال يخفيها عن أعين \”أهل الشر\”.. ذلك الوصف الذي أطلقه سيادته مرارا بدون تحديد هوية هؤلاء أو نوعية الشرور التي قد يقومون بها، وعلى ذلك فإن عدد من يعلمون عن هذه \”المشروعات العملاقة\” وتفاصيلها محدود للغاية، كما أنه بالتأكيد لا يشمل نواب البرلمان الذين تم فحصهم بعناية من قبل أجهزة الأمن حسبما ينص القانون، بل إن البعض يدعي أن كافة المرشحين قد اختيروا من قبل أجهزة سيادية، فهل يعتبر السيد الرئيس نواب هذا البرلمان جزء من قوى الشر رغم ما سبق؟
إن مشاريع بهذه الأرقام الضخمة التي ذكرها الرئيس كان لابد أن تطرح ضمن ميزانية الدولة على نواب الشعب -إن كانوا فعلا كذلك- فيدرسونها ويناقشونها ثم يقرونها إن وجدوها ذات جدوى، إن الشفافية هي مفتاح تقدم الأمم، وجميع النماذج في هذا العالم تؤكد لنا ذلك.
وفي مثال آخر على انعدام الشفافية لم تعلن أي جهة رسمية في مصر عن حجم صفقات السلاح التي عقدها الرئيس في العامين المنصرمين، ولكننا علمنا من الدول البائعة قيمة كل صفقة وأنواع الأسلحة المتعاقد عليها، وقد قارب مجموع تلك الصفقات الـ 13 مليار دولار، لم يخبر الرئيس شعبه من أين جاءت، مما دعا البعض إلى افتراض أنها جزء من 51 مليار دولار دخلت مصر من دول الخليج في نفس العامين، ولم تدرج في الميزانية العامة للدولة! العنوان نقلا عن التلفزيون المصري هو \”حصاد مليون ونصف المليون فدان\”، بينما اللوحة التي أزيح عنها الستار تتحدث عن عشر آلاف فدان فقط، وعلى الأرض نرى ماكينة حصاد واحدة، ولا نرى أي ماكينات للدرس أو التعبئة، ناهيك عن النقل والتخزين، مما يثير تساؤلات حول مصداقية الأرقام التي يذكرها المسؤولون في مصر، كذلك هو الأمر مع الفيلات الفاخرة التي من المفترض أن تأوي المزارعين فهي بلا طرق بينية مرصوفة، باستثناء الطريق الذي سار فوقه موكب الرئيس.
أكد الرئيس أن كل مشروعاته ناجحة، وأن إيرادات \”قناة السويس الجديدة\” -كما يحلو له أن يسميها- قد أدت إلى زيادة إيرادات القناة بشكل عام، في حين تثبت الأرقام الواردة من جهات حكومية ودولية العكس تماما، وتؤكد انخفاض دخل القناة نتيجة تباطؤ حركة الملاحة العالمية واستخدام طرق بديلة نتيجة ذوبان الثلوج في القطب الشمالي وانخفاض أسعار الوقود، مما يدفعنا إلى التساؤل عن من يقوم بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروعات الرئاسية، خاصة وأن تكلفتها الإجمالية تزيد عن 1 تريليون جنيه -كما قال الرئيس- وهو نفس مقدار الزيادة في حجم الدين الداخلي لمصر، والذي تضاعف منذ انتقال سيادته إلى قصر الرئاسة، مما يعني أن المصريين وأبناءهم وأحفاد أحفادهم سيرزحون تحت تلك الأعباء ما داموا على وجه البسيطة.
وكالعادة شاهدنا حماس الحاضرين من المواطنين وحرارة تأييدهم للرئيس في مشهد عهده المصريون مع كل رؤسائهم ويعلمون جيدا كيف يتم ترتيبه، ذلك بالرغم من تردي الأوضاع الاقتصادية بشدة للمصريين في ظل حكم الرئيس السيسي وحالة من التذمر الجماعي في أوساط العمال والطلبة والنقابات المهنية.
في العام 1787 قررت الإمبراطورة الروسية كاثرين الثانية أن تزور إقليم القرم بعد أن ألحقته بأراضيها، وأنهت سيادة الدولة العثمانية عليه، وفي ظل احتمالات حرب جديدة مع العثمانيين، أرادت الإمبراطورة أن تبهر حلفائها، فقررت القيام برحلة نهرية إلى الإقليم لمدة 6 أشهر، وأراد عشيقها وحاكم الإقليم الجديد الشاعر بوتيمكين أن يخدعها ويجعلها تعتقد أنه قد قام بالمهمة الموكلة إليه، وهي إعادة بناء الإقليم الذي دمرته الحرب وتوطين الروس به، ولذلك أقام على ضفاف نهر الدنيبرو هياكل لقرية وهمية، وارتدى رجاله أزياء الفلاحين، وكانوا بمجرد أن تمر باخرة الإمبراطورة، يقومون بتفكيك تلك الهياكل وينقلونها سريعا باتجاه المصب لتجميعها من جديد، وعلى ذلك رأت الإمبراطورة في رحلتها النهرية العديد من القرى، وفلاحين يهتفون بحياتها على جانبي النهر، فهل نحن اليوم في مصر بصدد قرى بوتيمكين جديدة؟ نأمل ألا يكون الأمر كذلك.