وليد فكري يكتب: لكم دينكم ولي دين (17)

سؤال: كيف يمكن لإنسان عاقل أن يفترض أن الآخر متفرغ من كل شيء لصالح أن يحقد عليه ويكيده ويدبر ضده المؤامرات؟

هل تدرك أولا ما هو الآخر؟ إنه إما شخص معنوي ممثل في دولة ذات مؤسسات وخطط وتحديات، أو مجتمع له تطلعات وطموحات، أو أشخاص طبيعيين/أفراد لهم حياة والتزامات وأحلام.. فهل يعقل أن يقرر هذا الآخر ترك كل ما أمامه فقط ليتآمر علينا؟

تعال نتخيل مثلا لو أن كل الدول \”غير الإسلامية\” وكل غير المسلمين على مستوى العالم -أي أكثر من 6 مليار إنسان- قرروا أن يتفرغوا للكيد للمسلمين.هل كانت هذه الدول بأفرادها ليتقدموا خطوة في مختلف المجالات التي نقبع نحن معشر المسلمون في ما تحت قاعها؟

بالتأكيد أنهم لم يكونوا ليبلغوا أي شأن يذكر في مجالات الحياة من سياسة وتعليم وطب وعلوم عملية ونظرية ورياضة وفنون ورفاهية، فمن البديهي أن من يتفرغ لمعاداة الآخر لا يمكنه أن يجد وقتا لنفسه، ودعنا نعترف أنه لو صحت ادعاءات كثير من المسلمين حول مختلف سلبيات حياتهم أنها نتاج تآمر الآخر على الإسلام والمسلمين، فهذا يتطلب من الآخر أن يخصص 100% من وقته لممارسة هذا النشاط العدائي التآمري.

هذا يذكرني بمشهد من فيلم عربي لفتاة مخابرات أجنبية قالت لعالم مصري مسيحي إن المسلمين طلبوا منها قتله، فأجابها بسخرية استنكارية: \”المسلمين كلهم اتفقوا معاكي إنتي تقتليني أنا؟\”

أنا لا أنفي وجود المؤامرات كجزء من هذا العالم القاسي بما فيه من صراعات وصدامات سرية وعلنية، ولكن أن نفترض أننا المحور الوحيد والمستهدف الحصري من كل تلك المؤامرات، هو مزيج من الغرور الفاحش والبارانويا المريعة.

فلو فرضنا جدلا صحة نظرية المؤامرة الرهيبة تلك خلال القرون الخمسة الماضية -على سبيل المثال- خمسة قرون قامت وسقطت فيها عند الآخر دول وأنظمة، وتفجرت فيها ثورات، واندلعت خلالها حروب، وشهدت ثورات صناعية وعلمية وتكنولوجية، وظهرت فيها مدارس سياسية وفلسفية وفكرية، وتحققت فيها إنجازات كبيرة، متى -بحق الله- وجد هذا الآخر وقتا، وكيف جاء بالطاقة ليركز جهده على الكيد لنا والتآمر علينا؟!

ثم -بالله عليكم- أية خطورة وأية منافسة مثلنا لهذا العالم منذ مطلع القرن السادس عشر الميلادي، ليحس أننا كمسلمون نمثل له خصما ذا قيمة، يتطلب بذل الجهد لسحقه؟ إننا -والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه- لم نلعب دورا خلال تلك الفترة إلا دور المفعول به -أو فيه لو شئتم الدقة- ولم نكن سوى عالة على العالم بسلبيتنا وتخلفنا، أو صداعا له لو ذكرنا تلك الفئة المصرة على ممارسة القتل والعدوان باعتبارهما \”إحياء دولة الإسلام\”، هذا لو تغاضينا عن دورنا ضد بعضنا البعض كأمة بأسها بينها شديد!

وعلى ذكر بأسنا الشديد فيما بيننا.. قولوا لي بالله عليكم ما الذي ينقصنا ليتآمر علينا الآخر؟ نحن نقوم بالواجب وزيادة من سفك للدم وتهجير وتقسيم وترويع وقمع وتآمر داخلي وخيانات وعمالات ونشر للتخلف والعنف والتعصب.

أقول صدقا إنني مؤمن أن ألد عدو للمسلمين هو أنفسهم، وأنكى متآمر عليهم هو بنو دينهم، وهم أكثر الناس إيذاء لأنفسهم.

لكن كثيرا منا قد قرروا أن يمارسوا -عفوا لقسوة التعبير- دور \”القحبة\” التي يصفها المثل الشعبي أنها \”تلهيك وترازيك وتجيب اللي فيها فيك\”!

(يتبع)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top