مايكل عادل يكتب: "العَقل أم الزجاج؟".. أو "ماذا لو أضرب الصحفيّون؟"

تكررت التساؤلات –المتشابهة بقدر كبير- مؤخراً بين معارضي الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين المصريين، عن مدى أهميّة مهنة الصحافة بذاتها ليتحوّل بذلك من يعارض إقامة الجمعية العمومية وقراراتها ومطالبها، إلى مُعارض لمهنة الصحافة بذاتها أسوة بسابقيه الذين عارضوا مهنة الطب ذاتها حينما قامت نقابة الأطباء المصريّة برد الفعل نفسه بعد اعتداء عدد من رجال الشرطة على أطباء مستشفى المطريّة.

أخذت تلك التساؤلات شكل الاستهزاء والاستنكار والتقليل من شأن الصحافة كمهنة، حتى انتشر منشور على موقع التواصل الاجتماعي \”فيسبوك\” من خلال صفحة \”الشرطة المصرية\” يتحدث عن إنه إذا قام الصحفيون بالإضراب الكامل عن العمل لن يشعر أحد بشيء، وعلل ذلك بأن المواطنين سيحصلون على أخبارهم من البرامج التلفزيونية والإذاعية التي وصفها المنشور بـ\”وسائل الإعلام البديلة\”، مضيفاً بأن ذلك سيوفر عليهم أسعار الجرائد التي ينفقونها على أوراق يستخدمونها في تنظيف الزجاج.

في واقع الأمر أن هذا الكلام قد خالفه التوفيق في كل كلمة وكل حرف، فقد افترض أن البرامج التلفزيونية والإذاعية تلك يقوم بإعدادها وتحريرها مجموعة من الكائنات الفضائيّة، ربما أن كاتب تلك الكلمات لا يعلم أن برامج الإذاعة والتلفزيون يعدها ويحررها صحفيون هم نفسهم الذين يسخر منهم وينكر دورهم ويحقّر من شأنهم، وكأن الصحافة هي فقط إصدار أوراق محبَّرة ليقوم أحدهم بتنظيف زجاج شرفته بها وأن طالب كليّة الإعلام يدرس في جامعته كيفيّة إصدار أوراق صالحة للتنظيف وأن الصحف تتنافس وتتبارَى فيما بينها لإصدار أوراق أكثر صلاحية لتنظيف زجاج هذا وتلك.

في الواقع لو أضرب الصحفيون عن العمل لن يكون هناك مادة إخبارية في البرامج، ولا \”سكريبتات\” للتوك شو. لو أضرب الصحفيون لن يكون هناك إعلام بديل لأن مصطلح \”الإعلام البديل\” يُطلق أساساً على الإعلام المستقل عن المؤسسات سواء الحكومية أو الخاصة، فالأولى في غالب الأمر تتبع هوى الحكومة والثانية في غالب الأمر تتبع هوى المَالِك والمموّل أو على الأقل تحرص على ألّا تضر بمصالحه.

لو أضرب الصحفيون لن يكون هناك داعٍ لمعرفة الأخبار من الأساس، لأن أصحاب هذا المنطق لا يهتمون بمعرفة الأخبار بقدر ما يهتموا بأن تكون على هواهم الشخصيّ، وفي الحقيقة إن الذين لا يجدون في الصحف سوى أوراق تلميع الزجاج، فهم لن يلاحظوا أي شيء وأي إضراب حتّى لو أضرب المزارعون سنجدهم يتحدثون عن أضرار الطماطم والبطاطس وفوائد المعلّبات والتونة والبلوبيف. القضية ليست قضيّة تلميع زجاج، فحتّى لو أضرب الصحفيون ستنزل صفحات الجرائد بين صفحات سوداء \”يُنصح بعدم استخدامها في تلميع الزجاج لأنها ستزيده اتّساخاً) وبين صفحات بها كتابات من تخلّفوا عن الإضراب، وفي هذه الحالة يمكن استخدام الأوراق تلك في تلميع زجاج الشرفات دون قلق. وحتّى لو توقّفت الجرائد عن الإصدار فهناك صحف (مستوردة) يمكن اللجوء إليها لتلميع زجاجكم، أو يمكن تلميعه وقتها باستخدام اختراع \”قماشة المطبخ\” أو الفوط الصفراء، فلا فارق لدى أصحاب ذلك المنطق بين الأقمشة والورق، وبين الفارغ والممتلئ، وكذلك بين زجاج يحتاج إلى ورقة أو قماشة لتنظيفه، وعقل في حاجة إلى الفكرة والوعي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top