أسماء الشهاوي تكتب: توكيل الطغاة

أيها الباقون من جسد الثورة الهامد، حرروا شهداءكم سكان السماء.. أطلقوا سراح الحقائق لتسكن أرواحهم السكون.. أبلغوهم أن الوطن عاد محمولا فوق أكتاف البنادق، مُنعما خلف حصون الذئاب، يتراقص على أناشيد الطغاة، ونساءه أصبحن جوارى للسلطان، يتلألأ في عتمة مسائه ضياء ناصع يقال إنها ابتسامة الديكتاتور الجديد.. ديكتاتور غياث ذو شخصية حانية.. مبطن بالإنسانية  و”مفوض”، يرشق الأزهار في قلوب المبصرين، ويسد أفواه الفقراء بالقُبل، والفقراء في وطننا لا يزالوا سجناء للأبجديات المبهمة والكلمات المنمقة وأزرار بذلة المفوضين، والمفوض الجديد ثوبه ملكى مفعم بالقلائد.. يرسم كلماته بالأحبار والرصاص وكلمات الظهيرة ناعمة يا أعزائي.. دائماً تأكل الأكباد في الليل، ورصاصات عدله طائشة، تصوب فقط نحو الثائرين، ونحن أول المرشحين للموت، مناضل من أجل الحق يركض خلفه كالجياد الجامحة ليسجنه خلف ذنوب الطغاة، أخبروهم أن الوطن على ما تركوه جنرالات وصقيع وموت وعبيد ومخبرون وأنصاف.. مثقفون وأنصاف شعراء وإعلاميون “المجد للإعلاميين”، وطاغٍ جديد أقل إنصافاً ممن كان معهم من قبل، وأقلام فاسدة تطلي الوطن العليل بطلاء الصبا، وتُسكن ضحايا الجلاد جنانا في سقر، وأبطالها يا رفاق هم من يجيدون فن النفاق، فأقوالهم نبات خبيث يسوقه الطغاة، ويُفتح لهم مدنا.

الكذب على الصفحات الأولى من الجرائد، أما بائع الفول لايزال الأذكى بيننا.. يضعها في مكانها اللائق بها “تحت الفقر”.

لا يزال اليساريون متعبين على مقاهى العاصمة، ولم تُحل حتى الآن ضفائر الشيوعيين المعقدة، لا يزال سيجار الرأسمالي يربك الضعفاء، والضعفاء في دولتنا الموحشة أرواحهم معلقة في دوائر دخان الغطرسة، لا يخشون سيفاً، بل يخشون حامل السيف.

قولوا لهم إن الوطن بخير وإن الفقير لا يزال يُخفي الرغيف العفن في جدار أمعائه الخاوية خشية كمائن الأغنياء، يحارب لأجل الاحتفاظ ببكارة العفن له، ولا يزال يتورط صباحاً في فساد عمره.

يجول في دموع أحلامه متكئا على حوائط هشة من بقايا عظام من سبقوه بالحُلم، يباشر الويل دون وهن يكحل أجفان الأرض ليُحصي خمس جنيهات من المعدن ليتسلح للحفاظ على روحه التى باتت من ورق، صارحوهم بأن في وطننا لعنه مثمرة وأن المرحلة الراحلة لم ترحل بعد، وأن الخصم العتيد لم يعد خصماً، وأن الأشباح الجائعة أمتلأت بطونها وأنتم المنبوذون، وصديقنا محمود الخطى أصبح مغرماً بأشعار درويش وأحاديث الصوفية ولا يستطيع أن يرى جمال الكون قبل فنجان القهوة، وأصبح لديه سيارة فارهة ومساعد يحمل عنه الحقيبة.. أصبح لديه حقيبة بالفعل.. أتصدقون؟! وأخذ الخبز كله لنفسه، والعدالة تبلورت في كيانه، ولا يحتاج اليوم إلى الحرية.

أما نحن، فلم نعد نستطيع أن نحصي الويلات لدينا، فكل شيء حولنا مبتذل ومعقد ومرعب، لم يعد لدينا ما يدفعنا للنجاة من أجله.. لا حُلم لا وطن ولا إنسان، حتى أصبحنا نجتمع يومياً حول صناديق القمامة.. نناجى بقايا المهملات علنا.. نجد خيراً مما استنزفوه من الوطن، لكن كما تعلمون، لا خير فيهم.

مشردون نحن بين أحلامنا وأحلامكم والواقع والبقاء، مشردون في أوطان ملبدة بالبياض وباللغات الرقيعة، مشردون بحقائبنا الممتلئة بلافتات جمعتنا كثيراً، أصبحت اليوم محرمة.. ممتلئة بأدمع الأمهات والقمع والاشتياق لكم، وللحديث إليكم والثرثرة والضحك والبكاء والضحك حتى البكاء، والقط الأسود المنبوذ رفيقنا في الميدان، وصقيع الميادين والموت وصورة الجلاد الممزقة.

لم نعد نرى شيئا.. لا نريد شيئا سوى أن نبقى قليل على قيد الحياة، إذا أعلنا العصيان على عبادة الجلاد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top