ماجد عاطف يكتب: خرافة استهداف مصر

أكثر ما يقلق الآن في مصر أن الخرافات تحولت إلى حقائق لا يقبل معتنقوها نقاشا أو نقدا، فما يعتبره البعض هلاوس، يراه الآخرون  ثوابت راسخة.

المزعج أكثر أن الخرافة السائدة في مصر، هي فكرة المؤامرة بما تحمله من خوف من البعيد، وشك في القريب، أصبحت خطرا يهدد الجميع.

هذه ليست محاولة لإثبات صحة موقف على حساب الآخر بقدر ما هي محاولة للفهم.. هل حقا مصر مستهدفة؟

مبدئيا.. هل من الممكن أن تتآمر أو تتحالف مجموعة دول على دولة ما؟

الإجابة: نعم.. وارد جدا أن يحدث ذلك، وعبر التاريخ الإنساني يحدث ذلك  في موضوعين، إما تكون تلك الدولة صاحبة مشروع توسعي سيغير شكل الخريطة ويهدد توازنات إقليمية، وربما دولية، كالذي حدث مع محمد على أو هتلر، الذي استوجب الموقف تكتل عدة دول ضدهما، أو أن تكون الدولة منتجة ومصدرة لأفكار تعتبر خطر على دول الجوار، وربما لما هو أبعد مثل \”تنظيم الدولة الإسلامية\” مثلا.

ولو طبقنا ذلك التصور على مصر (مشروع توسعي – مصدر أفكار خطرة) لاكتشفنا أننا لا نملك هذه ولا تلك، فمن ناحية وضعنا الاقتصادي، فهو لا يسمح بمجرد تخيل أن نكون دولة توسعية، ومن ناحية أخرى، نحن توقفنا عن انتاج الأفكار منذ زمن طويل.

بعيدا عن العموميات، فلنأخذ خطوة أبعد، ونتخيل من هي الدول التي تريد تقسيم مصر؟

بنظرة على محيطنا الأقليمي والدولي، نكتشف أن تقسيم مصر وتفتيتها أو حتى إضعاف جيشها ضد المصالح المباشرة لكافة اللاعبين، بالعكس مصلحتهم مع وحدة مصر لا تقسيمها.

ويمكن حصر اللاعبين الأساسيين في محيطنا الأقليمي في: (السعودية –إسرائيل – الإمارات – تركيا – قطر) -على حد علمي- لا يوجد غيرهم بالمنطقة.

(1) السعودية:

فعليا العلاقات معها جيدة، إن لم تكن جيدة جدا (ده أنت لسه مديهم جزيرتين) – فضلا عن ذلك السعودية تحتاج مصر وجيشها كحليف في مواجه التحالف الشيعي الإيراني، فإن لم تستخدم الجيش في اليمن بكثافة، فعلى الأقل تلوح به في مواجهة إيران بسوريا، والمخاطرة بالتآمر على مصر وتفتيتها لا يضمن أحد ما نتائجه، وربما أسفر عن إمارة جهادية على حدود المملكة بتمويل إيراني.

(2) الإمارات:

نظرة على كشف المساعدات والاستثمارات الخليجية الواردة لمصر على مدار عقود (منذ عهد الشيخ زايد)، تجعلك تدرك أن الإمارات هي أكبر الداعمين لنا، أضف إلى هذا كون الإمارت امتدادا طبيعيا للقرار السعودي.

(3) إسرائيل:

العلاقات الإسرائيلية المصرية هي الأفضل على الإطلاق، والتعاون بين القاهرة وتل أبيب لم ينقطع يوما، وعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك تنسيق استخباراتي كامل (باعتراف الطرفين) في مواجهه الإرهاب في سيناء، ومصر صوتت لصالح إسرائيل في الأمم المتحدة، وهناك تعاون في قضايا عدة مثل ملف الأنفاق وترتيبات المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية.

السؤال: هل من مصلحة إسرائيل إسقاط هذا النظام أو تلك الدولة؟ وهل لو تفككت مصر، واصبحت إسرائيل لتكتشف أن هناك إمارة جهادية على خط التماس معها، هل ذلك من الممكن بأي شكل من الأشكال أن يصب في مصلحتها؟

(4) قطر وتركيا:

تقريبا قطر وتركيا هما الوحيدتان اللتان يناصبان مصر العداء، وإن كان القطري لا يمكن وصفه بالثبات، فبوصلة الدوحة قد تتغير حين ظهور ضغوط حقيقة عليها من أي اتجاه، وحتى بفرض ثبات موقفها من القاهرة، هل قطر وتركيا بهذه القوة حتى نخشى أن تآمرهم علينا كفيل بسقوط أو تفتيت الدولة المصرية؟

على الصعيد الدولي..

(1) أوربا:

مما لا شك فيه أن أوربا (غالبا يكون المقصود أوربا الغربية) هي أكثر من تضرر فعليا من تفكك الدولة السورية والعراقية، التي خلفت عددا مهولا من اللاجئين الذين غزوا أوربا، ولعل قبولها بالشروط التركية في المفاوضات الأخيرة بخصوص اللاجئين أكبر دليل على ضخامة الأزمة التي خلفها تدفق اللاجئين العرب لبلادهم، فهل تسعى أوربا لتفتيت دولة أخرى يتجاوز تعداد سكانها 90 مليون نسمة، يسكنون على الجانب الآخر من أوربا؟!

(2) روسيا:

ربما لم تشهد العلاقات المصرية الروسية تقاربا مثلما شهدته مع تولي الرئيس السيسي المنصب، لذا فأي حديث عن تآمر روسي أو عداء، هو من قبيل العبث، لا يستلزم الرد أو حتى المناقشة.

(3) الولايات المتحدة الامريكية:

بلغة الأرقام، فمصر وإسرائيل هما أكثر دولتين في العالم تتلقيان دعما ومعونات من أمريكا، نظرا للدور المهم الذي تلعبه كلتاهما بالتنسيق مع الولايات المتحدة في المنطقة، فضلا عن العلاقات الوطيدة التى تربط الجيش المصري (تسليحا وتدريبا) بالجيش الأمريكي.

تقسيم مصر سيؤدي إلى خلل غير قابل للسيطرة في المنطقة، ومن الوارد أن يتستحوذ على السلطة فصيل متطرف تشكل أفكاره خطرا على إسرائيل، أو ينتج إمارات جهادية تزيد الوضع تعقيدا في المنطقة، والمؤكد أيضا أن التجربة الأميريكية الفاشلة في العراق، تجعل واشنطون تفكر ألف مرة قبل تكرار الكارثة مرة أخرى.

المدهش أنك حين تتأمل الخريطة، تكتشف أنه باستثناء دولتين (قطر -تركيا)، فلا أحد يناصبك العداء، بالعكس أنت محاط بالداعمين، لكن ربما تكون قراءتي قاصرة أو خاطئة للخريطة، لذا فساكون شاكرا لمن يخبرني، ما هي الدول التي تتآمر علينا؟ ولماذا؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top