رشا جوهر تكتب: سلام على روحك يا عامل المشتل

واقعة مقتل عامل المشتل المؤلمة جدا (والتى بالرغم من ذلك لم تعد  صادمه فى دولة يتم التعامل فيها بطريقة وحشية من قِبل الأجهزة المنوط بها حماية المواطن إلى حد سفك دمائه فى وضح النهار)، ذكرتنى بموقف حدث لي ولأسرتى منذ عام ماضِ، حيث تم الاعتداء علينا من قِبل مجموعة من العاملين بورشة ميكانيكا للاختلاف على ركنة سيارة والدتى، وتطور الأمر إلى حد السُباب، ثم الاعتداء عليّ أنا ووالدتى وابن خالى بالضرب والسب، ونحن فى حالة صدمة، غير مستوعبين كيف تطور الأمر لذلك فى لحظات قليلة فقط، فسارعت والدتى بطلب والدى وأقاربى الساكنين قرب الحى الذى وقعت فيه الحادثة، فسارعوا بالمجىء، وطبعا لم يستطيعوا أن يفعلوا شيئا أمام ٨ أفراد من البلطجية المسلحين بأسلحه بيضاء، وأمين شرطه كان “يحشش” مع العاملين بالورشة، بما فيهم “الأسطى” تبعهم، وبدلا من أن يتدخل أمين الشرطة ويقوم  بفض المعركة والوقوف بجانب المُعتدى عليهم أو حمايتهم من بلطجة العاملين بالورشة، فقد قام بإشهار سلاحه الميرى فى وجه أحد أقاربى الذى كان يتم ضربه من عدة أشخاص فى نفس الوقت، ولم يكن  يبلغ من العمر وقتها ١٦ عاما، وهدد بقتله. ذهبنا جميعنا لأقرب قسم شرطة لتحرير محضر بالواقعة، فكان العجب فى انتظارنا هناك، حيث تم استقبالنا من صغار ضباط الشرطة فى القسم بطريقة أقرب للتطفيش منها لاتخاذ الإجرءات اللازمة فى مثل هذه المواقف، وتم إيصال رسالة لنا من أحد زملاء أمين الشرطة، مضمونها “لموا الموضوع علشان مايحصلش مشاكل أكبر”!   عندها تيقنا أننا لن نأخذ حقنا بالطرق القانونية، فاضطررنا للاتصال بأحد المعارف، والذى يعمل فى جهة أمنية، وحكينا له سريعا ما حدث، وطلبنا منه التدخل حتى يُسنح لنا مقابلة رئيس المباحث، والذى عندما قابلناه وحكينا له ما حدث، نفى معرفته بإسم أمين الشرطة (عرفنا فيما بعد ذلك أنه كان يحاول حمايته وحماية سمعته هو شخصيا مما حدث)، واضطر أن يكلف أحد مساعديه بكتابة المحضر بنفسه، لأن ضباط الشرطه المتضامنين مع أمين الشرطه المجرم رفضوا عمل المحضر، وإثبات الحالة، وعلمنا أيضا بعد ما انتهت الواقعة أن أمين الشرطة بمعاونة بعض الأفراد فى قسم الشرطة، كان يحاول إثبات تهم باطلة ضدنا وبشهود زور من المنطقة التى حدثت فيها الواقعة.

الجدير بالذكر أنه قد تم نصحنا من بعض العاملين بجهاز الشرطة ممن كانوا يريدون المساعدة، بالتبلى على أمين الشرطة واتهامه بتهمة التحرش بالنساء فى تلك الواقعة،  وآخر عرض أن “يلبسه قضية مخدرات”، لكن طبعا رفضنا كل ذلك شكلا ومضمونا، لأننا لن ننحدر لنفس المستوى الذى نرفضه.

بدون الدخول فى تفاصيل كثيرة، فقد استطعنا فى النهاية بمساعدة “الواسطة” أن نأخذ حقنا بعد مرور عدة أسابيع (قضيناها كلها ما بين النيابة وقسم الشرطة) من تلك الواقعه سواء قانونيا أو نفسيا، حيث جاء أمين الشرطة -الذى نفى رئيس المباحث معرفته به أو أنه يعمل بقسم الشرطة لديهم!- للاعتذار حتى نتنازل عن المحضر  ضده.

فى ذلك اليوم اخذت اسأل أبى سؤالا واحدا طوال طريق العودة للمنزل: ”طيب يا بابا لو إحنا مالناش واسطة أو ضهر، كان هيحصل فينا إيه؟ّ! واللي مالهمش واسطة وحصل فيهم كده، هيتعمل فيهم إيه؟“.

أصابتنى تلك الواقعه باكتئاب شديد لمدة طويلة، ليس لما حدث لنا من تعدى بالضرب والسب ووضع فوهة سلاح ميرى فى رأس طفل، ولكن لأنى تيقنت –وقتها- تمام اليقين أن المواطن المصرى سيبقى شخصا مُهان الكرامة مسلوب الحقوق، حتى يثبت العكس، وأن قليلى الحيلة والبسطاء الذين لا يملكون أى واسطة من أى نوع، سينتهى الحال بهم إما قتلى أو وراء القضبان بدون أى ذنب يُذكر.

دولة أمين الشرطة لن يفرق معها مستواك الاجتماعى أو التعليمى، أو إن كنت “ماشى جنب الحيط”، فأنت فى النهاية هدف فى انتظار القضاء عليه طالما أنك لا تملك مساندة  ذراع من أذرعها الممتدة لينتشلك من مصير أسود.

دولة أمين الشرطة لا مكان فيها للبسطاء والمهذبين والمؤمنين بأن الحقوق دائما لا يمكن أن تُسترجع إلا بالعدل والقانون، هولاء فى الغالب مصيرهم لن يختلف عن مصير عامل المشتل أو الأسوأ -من وجهة نظرى- أن يتحولوا إلى  جزء من هذا الكيان.

إن كنت تعتقد أن هناك مبالغة فى ما اقول، فنظرة واحدة فقط إلى الشارع المصرى، ستثبت لك صحة كلامى، لقد اصبح الشارع نتيجه لغياب العدل والقانون عبارة عن  حلبة قتال، البقاء فيها للأقوى والأكثر بلطجة وقدرة على إيذاء وإرهاب الآخر.

إننا كشعب نتحول تدريجيا لنسخة من دولة أمين الشرطة، إلا قلة قليلة لاتزال قابضة على مبادئها وأخلاقها مثل القابض على الجمر، تحاول أن تتعايش مع واقع بائس.

لا اعلم بماذا شعر عامل المشتل فى اللحظات القليله قبل وفاته وهو يرى رصاصة مسدس أمين الشرطة متجهه نحوه لتفتك به.. هل فكر فى أهله، هل فكر فى حبيبته، هل فكر فى واقع أن كونه عاملا بسيطا “ماشى جنب الحيط” لم يشفع له، وانتهى الحال به جثه هامدة؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top