تنوية: هذا المقال لن ينال إعجاب ضيقي الآفق، الذين يعتقدون أن النساء لا حق لهن في الاختيار، وأنهم يملكون الحق للتحكم بهن والحكم عليهن، بينما المقال ينحاز لكل من أتخذت قرارا يخصها وعانت بسببه الكثير من الضغوطات واللوم، لمجرد أنه لا يرتضيه المجتمع، وهو دعم لهن، وليس للنقاش نهائيًا حول فرضية الحجاب من عدمها.
التمرد على هيمنة الثقافة الذكورية
بعد ثورة 25 يناير، ازداد وعي النساء وإدراكهن لحقوقهن، وبأن لهن دورا أساسيا ومؤثرا في المجال العام، حيث كن دائمًا في الصفوف الأولى منذ بداية الثورة لتحقيق الأهداف المشتركة. ونتج عن ذلك تمردهن على هيمنة الثقافة الذكورية على المجتمع، وكان الحجاب إحدى الأشياء التي تمرد عليها الكثيرات لأسباب مختلفة، حيث قامت العديد من الفتيات والنساء من مختلف الأعمار والطبقات الاجتماعية والمستويات الثقافية بخلع الحجاب، أو بمحاولة خلعه، وبالتمرد على كل ما يخالف قناعاتهن ورفض محاولات فرض الوصاية الأبوية على أجسادهن واختيارتهن، وبالطبع كل ذلك لم يكن بالأمر الهين، ولا يزال كذلك، فكل من قامت بخطوة كخلع الحجاب خاضت معركة صعبة مع عائلتها أو المجتمع من حولها، أو كلاهما، تصل إلى حد وصفها بأنها فقدت عقلها أو بالعهر، وإلى مشاكل لا حصر لها إذا لم يُسعفها الحظ ويتفهم أهلها اختيارها ويدعمونها.
الحجاب فرض مجتمعي أم فرض ديني؟
تحكي مرام، 21 سنة، فتاة من أقاليم مصر، عن سبب ارتدائها للحجاب: \”ارتديت الحجاب منذ المرحلة الإبتدائية كعادة وتقليد للكبار، كنت أريد أن أبدو مثلهم، ولم ألتزم به يومًا، كنت اخلعه دائمًا في الأفراح والمصايف والرحلات بعلم أهلي، وظل هذا الوضع حتى دخولي الجامعة\”.
وبسؤالها عن سبب قرارها بخلعه، قالت: \”فكرت في خلعه نهائيًا بعد أولى كلية، وكان هذا القرار بعد فترة من القراءة والتثقيف من نواحي نسوية ودينية، واقتنعت أن شعري ليس عورة ولا يجب علىّ تغطيته. أخبرت أمي بقراري، ولم استطع قول السبب الحقيقي لها، أي عدم إقتناعي بفرضيته، فأخبرتها بأن السبب هو أنني لست ملتزمة به بالشكل الصحيح ولست مستعدة للالتزام الآن، ولكنها رفضت وكان ردها أن المجتمع الذي نعيش فيه لن يتقبلني هكذا، وأن مجتمع القاهرة -حيث دراستي- ربما يتقبل الأمر أكثر، فقررت أنا أن أنفذ قراري مهما يكن، فأصبحت مضطرة لارتدائه طوال فترة إقامتي في مدينتي، وخلعه عند الخروج منها والعودة للإقامة في القاهرة\”.
تضيف \”مرام\” عن شعورها وما واجهته في بداية خلعها للحجاب: \”أول يوم خلعت فيه الحجاب وقفت أمام المرآة في حالة ذهول، كنت أشعر باستغراب شديد، وعندما نزلت الشارع شعرت بأن الجميع يحدقون بي، وكان أول تعليق من شخص غريب \”يا شمال\”، أما أصدقائي وزملائي كان تعليقهم \”ربنا يهديكِ\”، وقطع بعضهم صلتهم بي، والبعض الآخر رفضوا المشي معي في الشارع\”.
\”الحجاب يحفظ المرأة ويصونها من عيون الرجال\”.. \”حجابك سر حيائك/ عفافك\”.. \”الحجاب قبل الحساب\”.. \”إذا خلعت المرأة حجابها ستحاسب على كل شعرة يراها رجل\”.. \”سيستمر الغلاء ما لم تتحجب النساء\”.
على الأغلب معظمنا رأينا هذه العبارات مكتوبة على الجدران في أحد الشوارع، أو على ملصقات معلقة في أماكن عامة، أو سمعناها من قبل أهلنا أو أحد الأقارب أو أحد شيوخ الدعوة، للترهيب ربما من فكرة خلع الحجاب، أو لغرسها بداخلنا، فربطوا الحجاب بالأخلاق والحياء، وحكموا على من تخلعه أو ترفض ارتدائه بنار الآخر، بل وربطوه أيضًا بالاحوال الاقتصادية.
هذا هو ما تربينا عليه وكان يتردد على مسامعنا مرارًا، فبدلا من أن نربى على حرية الاختيار وحرية التصرف في أجسادنا، وعلى أن علاقتنا بالله ومعتقداتنا هي أمر في غاية الخصوصية، وليس من حق الناس أن يحددوه لنا، بدلا من ذلك كله تربينا على الخوف، وعلى أن أجسادنا عورة يجب أن تغطى بالكامل، وأنها مصدر للفتن، وسبب ما نتعرض له من مضايقات يومية وتحرش، وعلى أن نعبد الناس بدلا من الله، نخاف من ما يغضبهم ونحاول إرضاءهم حتى لا ننبذ ونعاقب على ما نؤمن به حقا. وتربينا على أن المرأة غير المحجبة مستباحة، وأقل من غيرها من المحجبات، هذا كله والحجاب اصلا مختلف على فرضيته!
\”حين كنا في الكتاتيب صغارا
حقنونا بسخيف القول ليلا ونهارا
درسونا ركبة المرأة عورة
ضحكة المرأة عورة
صوتها من خلف ثقب الباب عورة\” –نزار قباني
المرأة ليست مجرد جسد
لا ترى المجتمعات الذكورية في النساء سوى مجرد جسد يجب تغطيته، متناسيين أن المرأة إنسان كامل، لها عقل وصاحبة إرادة، ولذلك تسعى تلك المجتمعات دائمًا إلى تسليط الضوء على أهمية تغطية أجساد النساء وفرض الحجاب عليهن، بغض النظر عن الاهتمام بآرائهن، أو الاهتمام بالفروض الدينية الأخرى، حتى أصبح الناس يهتمون بالمظهر أكثر من الجوهر.
وهذه إحدى الأزمات التي نواجهها، فعدم الاعتراف بحق النساء في اتخاذ قرارتهن الخاصة حتى ولو لم تكن تتوافق مع المعتقدات السائدة، لن يسفر عن شيء سوى المزيد من النفاق المجتمعي، وسيزداد عدد اللائي يرتدين الحجاب، لأنه فرض مجتمعي، وليس لاقتناعهن به كفرض ديني.