(1)
شارع خاو كصحراء جافة، أفق مفتوح على الغموض تهتز فيه الرؤية، طفل صغير يهرع إلى اللا شيء ولا يتبق منه سوى صوت فزعه برهاناً على الموت الذي يتأرجح طقسه في كل مكان، وعلى رصيف الشارع المهجور بقع من الدماء تناثرت حول فردة شبشب وحدها تملأ المكان وإن بدت خطوتها تائهة وأنها انتزعت مرغمة عن صاحبها الغريب الذي لم يظهر في المشهد، هل انفلتت منه في لحظة تقاطعت الحياة مع الموت؟ ومن هو الغريب وأي قصة إنسانية ورائه وأي حبيبة أو أم كانت تنتظره؟ وهل كان ذلك الغريب يمشي الهوينى في شارع يبدو كل ما فيه بسيطاً ولا يؤدي إلى هدف، ثم تسارعت خطواته مع إيقاع القصف وتلاشى هو شخصياً مع فراره بينما بقيت فردة الشبشب كما ظهرت في الصورة التي نقلتها نشرات الأخبار من موقع انفجار حديث في اليمن كخبر لا يجيب عن الأسئلة ولا يخبرك أن هذا المكان ليس مجهولاً واسمه البلاد، وإنما هو مجرد خبر وتفصيلة صغيرة في عالم أصبح يطفو على النيران وجثث القتلى ويترك في الذاكرة فردة شبشب كشاهد عيان.
(2)
فردة شبشب يرفعها رجل غليظ الملامح على طفل ضعيف، يجره على أسفلت الشارع المكسور كخرقة بالية ومهترئة؛ هذا هو التوصيف وإن بدا قديماً لكنه الأكثر ملائمة لطفل لا يشتهيه أحد؛ نحيف حتى بدا جلده يتجعد على عظمه الذي يبرز كنتوء داخل ملابس ممزقة وقذرة عليها \”جلخ\” شهور تراكمت دون أن يخلعها، والرجل الذي يجره ويركله في كل أجزاء جسده علاوة على ضربه بالحزام والشبشب، يتدلى \”كرشه\” ويكاد ينفرط منه صغار آخرون؛ وتهتز تلك الكتلة الدهنية أسفل ذقنه كلما تحرك أو تفوه بكلمة، وأراهن أنه حاول مرات عدة أن يلتزم بنظام غذائي صارم ليفقد كيلوات من وزنه لكنه فشل، فيما هو في هذه اللحظة ينكل بالصغير الجائع لأنه ضبطه يتلمس سيارته وربما حاول فتحها وسرقتها أو كان يائساً يبحث عن شيء يسد جوعه..لا فرق، هو الآن تحت وجع الجوع والركل وضربة الشبشب وفرجة الناس الذين لم تخفق قلوبهم لصراخ الصغير الضعيف، هذا إن لم يشاركوا في تعذيبه ولم ينتبهوا وهم داخل الكادر؛ في بؤرة الصورة ضعاف مثله وخائفون تستدرجهم القسوة إلى منحدر يفقدون فيه إنسانيتهم ويسكبون غيظهم على الصغير الأضعف و\”يتشطرون \”عليه.
(3)
فردة شبشب على رأس صبية من أبيها الذي رآها تتحدث مع زميلها في الشارع بعد يوم دراسي، تساعده أمها التي قتلت منذ قليل وبنفس الفردة صرصور كان يزحف إلى طعامها في مسيرة أخطأت الإيقاع والتوازن، ونسيت الأم وجع الشبشب المتوارث في عائلتها وجتمعها وضربت ابنتها بإصرار وعزم.
(4)
فردة شبشب وحدوة حصان وجملة \”يا ناس ياشر كفاية أر\” معلقة على مدخل البيت الكبير، صوت الجدة يأمر الأحفاد بأن يعدلوا فردة الشبشب المقلوبة في ساحة البيت :\”الدنيا مش ناقصة عَوَجْ\”، وتخبرهم إن لم يعدلوها سوف تجلب لهم النحس والشؤم، وكانت منذ قليل تحكي وتمصمص شفاهها على زمن جميل راح وولى، وأنها عاشت لترى مرة أخرى تجريف الأرض الزراعية؛ لكن هذه المرة لتحويلها ملاعب كرة:\”الزراعة ما بقتش جايبة همها والناس يا ولداه هتموت من الجوع\”، ثم تصرخ مجدداً:\” اعدلوا الشبشب عشان النحس\”، ولا يرشدها لاوعيها أن النحس يلزمه مجتمع بائس وأن \”عدلة\” الشبشب \”المعووج\” لن تُصلح الحال ولن تُحقق العدالة الاجتماعية. على نفس الصعيد تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي خبر قديم نشر في العام 2006 عن بيع الفردة اليسار من شبشب السير بول مكارتني (مغني وموسيقي وشاعر غنائي بريطاني، وعضو فرقة البيتلز السابقة) الفردة بيعت .بمبلغ 802 جنيه استرليني في مزاد كان أجراه موقع CBay وذهب ثمنه إلى ضحايا الألغام الأرضية .
(5)
امرأة تتصل بمفسر الأحلام في قناة تليفزيونية وتخبره أنها رأت سريرها الأبيض عليه فردة شبشب بسير أصفر وإبزيم أحمر، فيخبرها \”حضرته\” مهللاً: أبشري سوف تتزوجين يا بنيتي، ففردة الشبشب على سريرك هي العريس. فتزغرد \”الحلوة\” وتتعالى في الخلفية صوت الأغنية الشعبية:
أحمد الشبشب ضاع
أحمد دا كان بصباع
أحمد دا كان لسة جديد
أحمد جايباه فى العيد