مصطفى عزت يكتب: الركن البعيد الفاضي

لا نعلم بماذا يلقبونا علماء النفس، ولكن على الأرجح هم يحصرونا في منزلة بين الإنطوائيين والإنبساطين، ولا نعلم إذا كانت هي مشكلة نفسية أم طباع يكتسبها الفرد من مجتمعه المذبذب، لكن الأمر الأرجح الذي لا يدركه علماء النفس أننا حقا مرضى نفسيين، فأمثالي من أصحاب هذه المنزلة الضائعة بين الإنطوائية والانبساطية، هم من متقلبي المزاج، فمزاجنا يتقلب في الساعة بعدد تقلب حبات السكر داخل أكواب الشاي الممزوجة بالنعناع على مدار اليوم.

لذالك نلجأ أحيانا إلى الصمت في مكان ما بنيناه بأنفسنا، لنمارس فيه هوايتنا المفضلة، وهي السكوت، لكن هذا السكوت يسبق العديد من الأشياء، فإذا كنا في وسط جماعة لا تعرف أغلبية أفرادها، أو حتى تعرفهم معرفة ظاهرية بحكم السلام عليكم وعليكم السلام، فنحن نلجأ الى صومعتنا في هذا الركن الخالي من زحام الكلام والمزاح، ويكون صمتنا في هذه المرحلة سابقا لرد متردد جدا على جزء غير مهم في الحوار من الأصل، وأحياننا أخرى يكون الصمت وأنت بمفردك منعزلا عن العالم، فهنا تكون بالضرورة مجبورا على أن تسكت، لكن نستغل نحن فرصة الانعزال لنصمت أوقات كثيرة.. أحيانا لا نكون نفكر في شئ ما، متأملين سقف الغرفة أو النقوش المرصعة على ستار نافذة الغرفة، و نغرق في التأمل، لكن بعد هذه الفتره من الصمت، لا نكون مضطرين إلى رد متردد على أحد، بل يتبع هذا الصمت غالبا فكرة جديدة، قد تكون موضوعا هاما أو سؤالا و جوديا، أو حتى ابتكار طريقة جديدة لتفصيص حبوب الرمان. هذه الفكرة الآتيه بعد هذا الصمت، غالبا لا تنفذ ولا يكون لها تأثير على أحد، لكننا نستمتع بها وبالتفكير في كيفية تنفيذها.

ها نحن أفراد المجتمع الاجتماعي غير الـ(عيشري) نعلنها صريحة، أننا لسنا من أعداء المجتمع، بل إننا نملك الكثير من الأصدقاء، لكن قد لا نسطيع أن نتقبل إقامة صداقات جديدة مع أفراد المجتمع في وقت ما، نحتاج فيه إلى مزيد من الثبات المزاجي حتى يمكنا الحكم على الأشياء من خلال طبيعتها، وليس من خلال حالتنا المزاجية.. نحتاج لمزيد من حرية الصمت في أي وقت.. نحتاج لمزيد من الاستماع لنا حينما نتكلم بصوتنا المنخفض.

فها نحن نعبر من الإنطوائية إلى الإنبساطية وحب المجتمع والناس، لنجد أنفسنا نهوي في نيران الخجل، الذي يعد البطل الأول في هذه الحالة، فهناك خجل مبرر قد ينتابنا في بعض المواقف مع من لا نعرفهم من الأشخاص، لكن النوع الأخطر من الخجل هو خجل المصطلحات الاجتماعية، فنحن نخجل من كلمة بالهنا والشفا ونعيما، بل لا نجد ردودا واضحة عليها!

ويا ويل سكان مجتمع الخجل إذا سمعوا عبارات الاستحسان التي تقال في حقهم، فبجانب إحمرار الوجه والأذن، يكون الرد عبارة عن همهمة مبهمة ترجمتها عبارة عن (الله يخليك)، أو (حبيبي تسلم).. نرى أحيانا أنها حياة غير سوية، لكن عندما نخلو بأنفسنا في الركن البعيد الفاضي الذي نصنعه  في أي وقت نحتاج إليه، نجد أننا أسوياء مع المجتمع، ونجد أن الفرد الذي لم نتمكن من الرد عليه بالصورة المثالية، لم يفكر كثيرا في طريقتنا في الرد، الذي قد نقضي ساعات نعاتب أنفسا عليه.

عندما نخلو بأنفسنا، نجد أننا ننصف المجتمع، ونظلم أنفسنا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top