قطعا إنهم يكرهوننا, تلك هى النتيجة التى توصلت إليها لتفسير الحرب التى أعلنتها الدولة علينا منذ السبعينيات, نحن أبناء الطبقات المتوسطة، والأسباب واضحة, فأبناء الطبقات المتوسطة لا يفسدون بسهولة، وبالتالي نحن عاجزون عن مشاركتهم تلك اليغمة اللطيفة, وبقدر ما يحرمنا ذلك من إمتيازات تمتع بها غيرنا، إلا أن الفاسدين يرون قذارتهم كلما نظروا إالينا، فيزدادوا فينا بغضا.
كما أننا نتمتع بقدر من الثقافة يخولنا أن نعى حقوقنا \”نسبيا بالطبع\”, نقارن بقدر مطالعتنا أو متابعتنا للإنترنت والمسلسلات الأجنبية، أو الفرص التى حظينا فيها بالسفر للخارج، أن نقارن بين حال الآخرين ووكستنا.
وهناك عنصر آخر هام, اذ أنه بحكم ما نتمتع به من مكانة اجتماعية لا يجرؤ المنتفعون على مطالبتنا بتقديم التنازلات التى تطلب من الطبقات الفقيرة (وإن كانت لا تطلب منهم بوجه حق أيضا)، فليس من الممكن أن يطالبنا أحد بالتخلى عن الشهادة الجامعية والعمل كفنيين بالمصانع والورش مثلا, بل على العكس يصبح الظلم الذى نتعرض له شوكة فى جنب الدولة.
وبينما استثمر الآخرون فى تسقيع الأراضى والعمولات وخلافه، استثمر أبناء الطبقات المتوسطة فى أبناءهم, حرصوا على توفير أفضل تعليم ممكن لهم, أنفقوا دم قلبهم ليظهروا بالمظهر اللائق، واتهد حيلهم ذهابا وإيابا للنادى من أجل التمرين، رغم أنهم يا ولداه يعلمون أن النفوذ والوساطات هما البوابة الرئيسية لكل المجالات فى مصرز
تلك المحاولات التى دفعوا ثمنها غاليا للتشبث بالحياة الكريمة، لم تكن شفيعة لهم بأنهم يستحقون المزيد، بل على العكس، هم دائما أول من تتم التضحية بهم عند كل أزمة، خاصة الآن! حيث تمر بلادنا بأزمة اقتصادية، وليس من الممكن بالطبع أن نقتطع من نصيب المستثمرين من التورتة لمواجهتها، لأن نفسياتهم حساسة، وقد يدفعهم ذلك لإستقلال طائراتهم الخاصة والهجرة للاستثمار بأى بلد آخر.
يا ماما.. كيف يمكن أن تصبح مصر بدون رجال أعمال؟!
وطالما أننا لا نمتلك طائرات خاصة وباقون هنا لا محالة، فلنتحمل ارتفاع فواتير الغاز والمياه والكهرباء (وكأن الرقم الفلكى لفاتورة الكهرباء لم يكن كافيا، فأرسلوا لنا محصلا يشبه المستذئب، ويعاملنا كالديانة فى الأفلام العربي القديمة)، وإرتفاع أسعار السلع المختلفة، بالإضافة لتكلفة علاج الضغط ونحن نتابع يوميا عبر الشاشات فنانين وإعلاميين ولاعبى كرة يساهمون فى حملات دعائية، وبرامج تلفزيونية يطالبوننا فيها بالتقشف -وتحيا مصر 3 مرات- بينما يتقاضون أجورا فلكية على تفاهات يقدمونها!
إن كنا دولة تسعى لإجتياز أزمتها، والمضى قدما على سبيل التقدم، فهناك عدة حقائق يجب أن نعلمها:
أولها أنه بقدر ما تشجع الدولة المتقدمة على الاستثمار، فإنها تحصل حق الدولة من المستثمرين تالت ومتلت، ولهذا يمتثل مستثمرونا للقوانين دون تذمر عندما يستثمرون بالخارج، بينما تخبئ الشركات الأمريكية أرباحها بالدول المتخلفة هربا من الضرائب الأمريكية، وهو ما دفع أوباما لاقتراح مشروع قانون لفرض ضرائب على أرباح الشركات الأمريكية بالخارج.
ثانيها أن الدول لا تتقدم بفرض الجباية عمال على بطال، ولكن ببناء اقتصاد إنتاجى قائم على التصنيع، وليس على التهليب، ووضع رؤية دولة تستثمر فى الإنسان أولا.
ثالثها أن أحد أهم مقاييس تقدم الدول هو نسبة الطبقة المتوسطة فى الدولة، وليس حجم استثمارتها، ولهذا تتباهى الصين بأن نسبة الطبقة المتوسطة لديها تخطت الولايات المتحدة، وليس بأنها تنتج هذا وتصنع ذاك فقط, فوجود فئات واعية ومستنيرة توجه الناتج القومى للدولة التوجيه الصحيح، أهم من معدل الناتج القومى نفسه، وبالتالى فاستمرار الضغط على الطبقة المتوسطة فى مصر تجريف خطير للدولة، فإن كنا لا نمتلك استثمارات نهدد بسحبها، إلا أن هناك دولا تقدر العلم والثقافة والمهارات الشخصية تستفيد من تلك المهزلة الدائرة بمصر، وهو ما يظهر فى ارتفاع معدلات الإقبال على الهجرة, ومن الممكن تصور مصير بلد ترحل عنه الكفاءات يوميا للأسف.
على الدولة أن تكف عن تسديد فواتير قصور رؤيتها الاقتصادية برفع الفواتير علينا، فرفع الضرائب والنفقات دون خدمات حقيقية تقدمها الدولة، يسمى جباية، وينتهى عادة بالضرب بالقباقيب.