الأمر يبدو سهلا عندما تُجر لمناقشة أونلاين، وأنت واثق كل الثقة من أنك على يقين وصواب، وبأن لديك الحجة القوية التي منها تستطيع أن تناقش من أمامك، بل وتجيبه من شعره الإفتراضي دون أدنى مجهود يُذكر.
في الواقع الأمر مش بيمشي كده خالص!
الخناقات الأونلاين (فايسبوك-تويتر) ليست بالشيء الجديد ولا المستحدث، ولكن المواضيع التي طرأت على الساحة وأصبحت نسبة المشاركة فيها عالية هي المستحدثة والجديدة على الكثيرين.
غالبا تلك المواضيع تخص العقائد واحترام تطبيقها أو الإلحاد بها.. الحريات المختلفة.. الميول الجنسية وحرية التعبير، وإختيار الألفاظ والمصطلحات٬ وكل ما سبق هو أمر مسلم به للبعض، وآفة لابد أن يتخلص منها المجتمع للبعض الآخر.
وأنا لست بصدد الحديث عن الحريات ولا العقائد ولا غيره.. أنا مليش فيه، هي فقط محاولة لتفادي الوقوع في مناقشات لا تسمن ولا تغني من جوع.
هاييجي حد يقولي، وإحنا نتناقش ليه أساسا! لو حد قال رد مش عاجبني ومش مقتنع به مش هارد أو هاعمله بلوك وانتهى الأمر!
الحقيقة أنا معاك تماما، وبنصح بشدة عدم الإنخراط في المناقشات الأونلاين إعتقادا مني إن محدش داخل يتناقش أساساً، وإن المعظم ما هو إلا استعراض لمهارات لغوية أو فلسفية ويكيبيدية، هدفها حصرك في دور الجاهل غير العالم ببواطن الأمور، واللي هو اسكت خالص لما تعرف تقول مصطلحات صعبة زيي تبقى تتكلم، لكن في ناس محترمة كتير أحيانا بتطرح مواضيع للنقاش، ويمكن توسم رجاحة العقل فيهم بسهولة.
أرسطو تفرع في الحديث عن أنواع المخاطبات بين الناس وكيفية التعامل مع أصحاب المناقشات السوفسطائية المغلوطة، وقال: \”ضمن أخلاقيات النقاش تفادي التعنت والتباهي والهذر، وأن يكون هدفه الغلبة فقط. أما إن لم تعلمه حتى فاتحته بالكلام فعليك إما بالإمساك عن مناظرته، أو الإحتراز منه واستخدام الأساليب التي تليق بأمثاله، فإن عرفته مغالطا أو رأيته يكرر القول الواحد أو استهزأ بكلامك فلا تتركه يميد في فعلته. وإن أصر على موقفه فبإمكانك أن تصده عن ذلك وتقاطعه\”
وأيضا قال واصفا بعض المجالس التي يشوبها من الشوائب ما يعيق سير النقاشات: \”ينصح باجتناب مجالس يسودها الخوف والترهيب والإكراه والوعيد ولا تستهدف بتمييز الحق عن الباطل، ضمن أخلاقيات النقاش تفادي التعنت والتباهي والهذر، وأن يكون هدفه الغلبة فقط. أما إن لم تعلمه حتى فاتحته بالكلام فعليك إما بالإمساك عن مناظرته، أو الإحتراز منه واستخدام الأساليب التي تليق بأمثاله، فإن عرفته مغالطا أو رأيته يكرر القول الواحد أو استهزأ بكلامك فلا تتركه يميد في فعلته. وإن أصر على موقفه فبإمكانك أن تصده عن ذالك وتقاطعه\”.
أنا قصدت اقتباس هذا الجزء تحديدا عشان كلمة “استهزاء”.
معظم النقاشات الأونلاين لا تتم بطريقة هدفها تقديم منفعة، ولا رغبة في درء مفسدة، ولا أي حاجة خالص غير، أنا صح وإنت غلط، وده طبعا سبب كافي يخليك تنسحب بشياكة من المناقشة دون ذرة شعور بالخجل.
الإستهزاء في النقاشات هو حجة البليد أو حجة من لا حجة له.
المناقشات لابد وأن تتم في فضاء من الحرية٬ حجرك على حرية غيرك يعتبر عامل أساسي في إنهاء المناقشة من بدايتها متى استشعرت ذلك.
ومعظم الخناقات الأونلاين مفيهاش ريحة الحرية الحقيقة.
الإسترسال في موضوع النقاشات ده مجاله واسع وكبير، وصعب يتجمع ويتشرح في مكان واحد، ولكن هدفي في هذه السطور هو فقط الإشارة إلى واحدة من العلامات الجلية التي تجعلك تنهي نقاشك الأونلاين من غير ما تخسر صحتك وتخلص باقتك.