(1)
شاهدت منذ فترة ليست ببعيدة فيديو على قناة \”باظ فييد\” الإلكترونية عن شاب وفتاة قررا أن يعيشا سويا لمدة أسبوع واحد كزوجين، وأن يتشاركا أعباء حياة واحدة فى منزل واحد، يتناولان الطعام سويا ويقضيان الوقت معاً، فقط لمدة أسبوع واحد.
كانت التجربة تتضمن أن يتم تصويرهما وهما يقومان بنشاطات زوجية مشتركة أثناء حياتهما سويا فى خلال هذا الأسبوع، لرصد التغيير الذى يمكن أن يطرأ عليهما فى خلاله -إن حدث- ومنذ اليوم الأول كان من الواضح أن تجربتهما قد أسفرت عن فشل ذريع.
بدأت مشاكلهما فى الأيام الأولى من الأسبوع –بعد انتقال الشاب إلى منزل الفتاة- بالأعباء المنزلية، فقد أصبح هذا بيتهما الآن، مسئولية تنظيفه وترتيبه وإعداد الطعام والعناية به هى مسئولية مشتركة يجب أن يقوما به معا، ثم تطورت مشاكلهما فى اليومين الثانى والثالث إلى الطباع، فلكل منهما طباع مختلفة وعادات معينة لا يتقبلها الآخر بسهولة، كل شىء يفعلانه رغم تشابه يشوبه اختلاف حاد، فهو ينام فى وضع الجنين أما هى تستحوذ على السرير بأسره وتتقلب يمنى ويسرى، كما تختلف أذواقهما فى الموسيقى والأفلام بشكل جذرى، لدرجة أن كل منهما يستغرب الآخر بشدة لسماعه مثل هذه الأغانى الرديئة فى نظره، وحين يتسوقان لشراء احتياجات المنزل يشترى كل منهما أشياء مختلفة تماماً، تبدو فى نظر الطرف الآخر غير مهمة أو ضرورية، هو يكره التخطيط بشدة، وهى تعشق النظام وترتب لكل وأى شىء.
أما عن أصعب ما واجههما من مشاكل، تحدثا فى يومهما الرابع سويا كزوجين عن فقدان الحرية واختراق المساحات الشخصية وتدمير فكرة الخصوصية، فأن تكون مسئولا عن أحدهم ومن أحدهم، يلتهم الكثير من حرياتك ومساحاتك الشخصية، إنه لشىء مُرهِق للغاية، يأكل صحتك النفسية والعصبية ما لم تكن مُستعِدا له ومُتقبِلا لتبعاته، فحين تتزوج تصبح مكشوفاً أمام شريكك إلى أقصى درجة، يصبح له عندك حقوق وعليك تجاهه واجبات، أهمها أن تقطتع له من راحتك، من وقتك الذى تمارس فيه هواياتك أو تقابل أصدقاءك لتمارس نشاطات مشتركة ومحببة معه، لأن العلاقة السوية لا تُبنى على التواجد فى منزل واحد فحسب!
حين تتزوج لا يصبح من السهل أن تختلى بنفسك أو تبتعد لفترة وجيزة عن كل ما يصيبك بالضغط النفسى، لا يمكن أن تُصاب حتى بالاكتئاب بحرية، أو أن تهمل واجباتك لمرة وتتناسى نفسك وتتصرف بعفوية.
فى اليوم الخامس قام الشاب -الذى كان يكره التخطيط بشدة فقط منذ أربعة أيام- بتخطيط موعد رومانسى لصديقته به الكثير من المفاجآت التى تحبها، لكن رغم سعادتهما الشديدة بهذا الموعد، إلا أنهما عادا إلى البيت مرهقين من إمضاء الوقت معا، مُحتاجين إلى بعض الهدوء، فاتفقا على أن يجلسا فى نفس الغرفة دون أن يعيرا بعضهما البعض أى اهتمام، فكل منهما بحاجة إلى بعض الوقت وحيدا، ليتناول طعامه المفضل أو ليستمع لبعض الموسيقى أو ليظل وحده فحسب.
فى آخر يومين من أسبوع الزواج، قررا الاحتفال بنهاية هذا الأسبوع العصيب، ونقلا ما تعلماه من خلال هذه التجربة فى الفيديو، فقد توصلا إلى إن قرار الزواج قرار صعب ومخيف للغاية، وممارسته أصعب، فلا يمكن لأحد أن يتزوج بدون معرفة مُسبقة بالشخص الذى على وشك أن يمضى كل ما تبقى من حياته معه، إنه ليس مجرد قرار بالارتباط،، إنه مسئولية ضخمة ورباط مقدس أبدى يجمع بين اثنين بمحض إرادتهما، يجب أن يذوبا فيه سويا ليصبحا الكل والواحد، وأن يُنحيا الأنانية والرغبات الذاتية والخصوصية جانباً، وأن يكونا على أتم استعداد للانفتاح الكلى والالتحام بالشخص الآخر، ومشاركته أدق وأخص ما يختلج الوجدان.
(2)
دلفت إلى المكان وكان يبدو عليها الفرح الشديد، جلست أمامى تتأمل محبسها ودبلتها وهى فى غمرة من السعادة يشوبها بعض التردد، بعد السلام، أخذت تسرد علىّ تفاصيل الخطوبة والفستان والبحث عن \”دبلة\” مناسبة، ثم تطرقت إلى الخطط المستقبلية التى تتمنى أن تجمعهما سويا.
ربتت على كتفها فى حنو، وطلبت منها أن أقابل خطيبها فى أقرب فرصة لأتعرف عليه، فأومأت برأسها، ثم حملقت فىّ وسألت \”ولكن أين نتقابل؟\”، فرردت \”فى مقهانا المُعتاد\”، فقالت \”ولكنى لا أعلم أى أنواع المقاهى يحب\”، فسألتها \”إذا ماذا تعرفين عنه؟\”، قالت \”اسمه وعمله وعائلته وسمعة أخلاقه الطيبة، لا أكثر ولا أقل، لكنى أشعر بالارتياح، وأعتقد إننا سنعرف بعضنا أكثر بمرور الوقت\”، قلت لها مُطمئِنة \”نعم يا عزيزتى، فالوقت كاشف للطباع ولا بأس بالتجربة، إنها خطبة فحسب\”.
عدت إلى منزلى وأنا أفكر، كيف لفتاة أن تخطب لرجل لا تعرف عنه شيئاً سوى اسمه وعمله وسمعته، أهذه معلومات كافية شافية لأن أتخذ قرارا مهما بأن أرتبط بشخص، لأن أعطيه من حياتى مساحة مهمة وخاصة لن ينافسه فيها من حولى مهما بلغ مدى قربهم منى؟ إن كانت هى استطاعت هذا فلا بأس، إنها سعيدة ولن أزعجها بمثل أسئلتى، يكفينى نظرة السعادة التى تملأ عينيها.
(3)
لطالما حاولوا إقناعى بإن زواج الصالونات هو الذى ينجح ويعيش، على عكس الارتباط عن تجربة عاطفية، التى دائما ما تبوء بالفشل قبل أن تصل حتى إلى الأهل، لكنى لم أقتنع أبدا، رغم ما قاسيته من كسور فى قلبى بسبب إيمانى بالحب.
لا، لست فتاة حالمة، كل ما فى الأمر أننى لا أقتنع بنظرتهم للزواج، هم يرون الخِطبة بداية لمعرفة جديدة، واكتشاف لطباع شريك الحياة، وإن الحب الحقيقى هو الناجم عن العِشرة المديدة، أما أنا فأرى الخِطبة إذنا للزواج وليس اختبارا للمشاعر، ارتداء المحبس بالنسبة لى يعنى القدرة على الاختيار الناجم عن الاقتناع التام بالرغبة فى قضاء ما تبقى من حياتى مع هذا الشخص تحديدا دونا عن سواه.
لا أستطيع أن أتزوج رجلا لا أعرفه ولا يعرفنى، لا أستطيع أن أتزوج رجلا لا يعرف أننى لا أحب القهوة، أو كم ملعقة سكر أضعها فى الشاى.
لا أستطيع أن أتزوج رجلا لا يعرف أننى أكره أن أضع أكوابا مبللة من الأسفل على المنضدة حتى لا تترك علامة بارزة، أو لا يعرف أننى أفضل اللون الأزرق بدرجاته، وأحب أفلام عاطف الطيب ومحمد خان، وأعشق روايات إبراهيم عبد المجيد عن الأسكندرية، أو لا يعرف أننى أكره الظلمة، وأعانى الرُهاب من التماثيل والمرايا، فلا أستطيع النظر إليهما أكثر من دقيقة، أو أننى أحب أن أشاهد الأفلام فى دور العرض أكثر من متابعاتها على التلفزيون أو تحميلها إلكترونياً، لا أستطيع أن أتزوج رجلا لا يعرف أننى لا أقدر على الحياة بدون كتابة، وأن أحد أهم آمالى هو رواية أربح بها جائزة البوكر.
لا أستطيع أن أتزوج رجلا لا أعرف كيف يحب قهوته، وما هى أكثر أسراره سوادا، وما الذى يجعله يبكى، وما الذى يضحكه.
سيخبرنى الكثيرون إن كل هذا يأتى بالعِشرة، نعم، فى قولكم بعض الصحة، إن العِشرة تجبرنا على أن نعرف بعضنا البعض، تدفعنا إلى ذلك دفعاً، نفعلها كرها وليس طوعا، نتعرف على عادات من يعيشون معنا لأنهم يعيشون معنا، ليس لأننا نريد أن نتعرف عليها، فالعشرة لا تخلق الحب، وإنما تخلق الاعتياد، فأن تختار بمحض إرادتك لتخرج من جعبتك كل الأسرار التى تتعلق بك، كل المشاعر التى تعتريك مهما بلغت فيها من قوة أو ضعف لا تفعله العشرة، فأكم من أشخاص عشنا معهم مدة طويلة لكننا لم نكتشفهم، وأكم من أشخاص رافقونا لمدة قصيرة من الحياة لكننا عرفناهم أكثر من أنفسهم.
أنا لا أكتب لأخبركم أن زواج الصالونات غير ناجح، أو أن أغلب هذه الزيجات تنتهى، ليس بالطلاق بالضرورة، بل بالفتور والملل واجبار الذات على الاستمرار من أجل الحفاظ على الشكل الاجتماعى، منظومة فى منتهى البؤس، لا أنتوى معايشتها او تكرارها، فمن يحب هو وحده من يحيا إلى الأبد!