يقضي الطبيب سنواته السبع العجاف بين جدران كلية الطب مضحيا بأجمل أيام شبابه، ومتخذا من الكتب والملازم والمذكرات صديقا له، مقتنعا تماما بأن ذهابه إلى الكورس هو ترفيه ونزهة ورفاهية في أسلوب المعيشة، متصالحا مع نفسه دون أي تذمّر أو شكوى.
وكأن كل ما مر به لا يكفي من أجل القضاء على التفاؤل بداخله وحب الحياة، فيصفعه المجتمع بالتكليف في أحد البؤر الصحية -إن لم يطالبه الوطن بالواجب الأزلي نحوه في سنواته الثلاث التي يقضيها في الجيش يعمل في أحد مزارع الماشروم أو مراكز تعليف أبقار القوات المسلحة- ثم يأتي السيد المحافظ لزيارة البؤرة الصحية، ويبدأ في توجيه الاتهامات لذلك الطبيب المهمل الذي سمح للقطط أن تدخل للبؤرة دون أن يردعها أو يقنعها بالعدول عن ذلك، وقد نسي السيد المحافظ أن نظافة المستشفى وأمنها ليس من مسؤوليات الطبيب، ولا مسؤولية عامل النظافة، ولكنها مسؤوليته في توفير الدعم المادي والبشري للمستشفى.. مسؤوليته إبقاء الطبيب آمنا في المستشفى التي يعمل بها من البلطجية وأمناء الشرطة، قبل القطط.
ولكن لا يمكن أن يكون السيد المحافظ غافلا عن كل هذا، فمن أين أتى هذا الأسلوب العدواني والهجوم غير المبرر منه على الأطباء، واتهامه لهم بالتقصير في أداء واجباته هو؟!
من زاوية أخرى ستجد أن اللاوعي والعقل الباطن للسيد الوزير، قد تشبّع بترسبات فكرية للعداء والكره المتبادل بين الأطباء والنظام، نتيجة لخلافهم مع أمناء الشرطة، وستجد المخيخ الأيمن الرصين له قد اعطى الأمر لحواسه بذلك الهجوم، كنوع من أنواع الطاعة، وفي محاولة – وطنيه من وجهة نظره – في أن يفضح فساد الأطباء، ويثبت ولاءه للنظام الحاكم، والمخيخ الأيسر قد ايّد قرارات المخيخ الأيمن الرصين، وأصبح ممن أصبحوا مع – الرصين- واتخذوا من الهجوم غير المبرر على الأطباء أسلوب إرضاء للرصين.
سيدي المحافظ إن طلبك من الطبيبة أن تكون على دراية تامة بكيفية التعامل مع القطط داخل المستشفى، يختلف كثيرا عن طلبنا منك أن تقوم بواجبك الفعلي، وتتحمل مسؤولية تقصيرك وتقصير حكومتك، فأنت سيدي المحافظ تحصل على راتبك الوفير ومميزاتك المصاحبة لمنصبك من أموالنا نحن دافعي الضرائب، وتلك الطبيبة قبلت العمل في تلك الظروف اللاآدمية من أجل رسالة إنسانية، وليس طمعا في المرتب الهزلي الذي لا يكفي أجرة مواصلاتها من وإلى المستشفى.
وعلى رأي المثل: \”اللي لا يعرف يحل ولا يربط يمسك في القط\”.