مروة أحمد تكتب: المكلمة الرئاسية.. كليشيه ضياع الحقوق

لا تكمن مأساتنا كمصريين فقط فى الكوارث التى نشهدها فى كافة المجالات، بل فى كم الكليشيهات والادعاءات المحيطة بها، والتى تزيدها سماجة فوق سماجتها.
أحد أشكال تلك الكليشيهات اجتماع الرئيس أول أمس بالمثقفين، مخدر لطيف للكثيرين من التواقين لأى بادرة لتصحيح المسار، الذى أصبحت نجاسته واعوجاجه واضحين للجميع، ولكن دعونا نتفاءل، فها هو الرجل يستمع للقامات الفكرية المخلصة، قوة مصر الناعمة بحثا عن حلول.
إلا أنه بالقليل من التدقيق نجد أنها خدعة أخرى شديدة الخطورة، لأنها تكرس لكليشيه مفاده أن هناك حاشية شريرة وفاسدة تحيط بالرئيس دائما،  تعزله عن أحوال البلاد، وتفتك بالعباد، وبالتالى فليس أمامه سوى التخفي وتفقد الأسواق ليلا على الطريقة التراثية، أو تعيين طباخ من عامة الشعب لينقل أحوال الرعية كأفلام سينما الترسو، أو الاجتماع بالمثقفين من حين لآخر للإطلاع على مجريات الامور (وإن كان ذلك قد جسد على الشاشات ايضا فى فيلم أيام السادات حين طالب الدكتور الرئيس بالمزيد من الديموقراطية دون أى مراعاة لأنه بيأكله القشطة بنفسه)

وفى ذلك تدمير ممنهج لفكرة الدولة، وضياع للحقوق، فمن المستحيل رد آلاف المظالم لأنه من المستحيل أن يطلع الرئيس بنفسه على كل مشكلات المواطنين، فالمشكلات كثيرة وربنا يعينه علينا، وليس من المعقول أن نعين عسكريا على ضمير كل مسؤول.. إلخ إلخ.
وهنا علينا أن نسأل؛ أليس من المفترض أن دور وسائل الإعلام مناقشة المشكلات المختلفة وكشف الحقائق للرأي العام؟

لمّ الحاجة للاجتماع بالمثقفين وجها لوجه، خاصة وأنهم من الأسماء المرموقة التى تكتب للصحف الشهيرة، وبالتالى كان من الأسهل أن يخصص الرئيس ساعة يوميا لمطالعة الصحف، إن كان يريد معرفة آرائهم فعلا؟

كما أنه -بناء على ما قاله الكاتب عبد الله السناوى- تحدث ثمانية فقط من الحاضرين من إجمالى 25، لضيق الوقت، وإسهاب البعض فى الحديث،

فكيف لنا أن نطمئن إلى جدية اجتماع تم حشر عدد من الأسماء اللامعة فيه دون تنظيم أو إعداد جدول لأعمال الاجتماع لمناقشة الموضوعات المطروحة على الساحة سلفا؟ ثم خرج الجميع سعداء لالتقاط الصور التذكارية دون أية قرارات أو ضمانات أو حتى جدول زمنى لتنفيذ الوعود، وهو ما يعنى أن ما جرى مجرد مكلمة رئاسية؟!
باختصار هناك آليات منظمة بأية دولة مدنية حديثة لمراقبة آداء السلطة التنفيذية وتصحيح المسار، من مجالس نيابية لا تتدخل الأجهزة الأمنية في اختيارها، وإعلام لا يقصى منه المعارضون، ومظاهرات لا يسجن المشاركون فيها.
المكلمة الرئاسية مشهد صار عبثيا ومقيتا فى العام 2016 عقب ثورة فى دولة يشكل الشباب الرافض لأكل الأونطة معظم سكانها، فليتحمل صانع القرار تداعيات الإنفراد بقراره طالما أنه يرى فى نفسه أهلا لذلك، وليجاهر الرأى العام بأنه يرى أنه من المقبول منطقيا وأخلاقيا أن يزج بآلاف الشباب فى السجون، التى تتنافى أوضاعها مع أبسط مبادئ الإنسانية، وفى مقدمتها سجن العقرب، لمجرد أنهم لا يرون الحياة من نفس المنظور دون التنصل المتكرر من المسؤولية المباشرة عن ذلك بدعوى عدم العلم به، فإن قبل الرأي العام، يتحمل هو الآخر تداعيات اختياره، وإن أبى، فلتصحح الدولة مسارها بحق، فقد فاض الكيل من تلك الادعاءات التى تضيع بسببها الأعمار هباءا إما فى السجون، أو فى انتظار مستقبل أفضل لن يأتى أبدا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top