إسراء عادل تكتب: أ. د. مكتشف النوايا الخفية

بدأ الأمر داخل الجامعة بصديقة تطرح سؤالا لفت انتباه الجميع. هو ممكن ولد وبنت يكونوا صحاب؟ فردت إحدى الجالسات بسؤال آخر: زمايل يعنى؟ أجابتها: لا صحاب صحاب.. زي بنت وبنت، أو ولد وولد؟

فقاطعتها أخرى: لا طبعا لأنهم أكيد اتنين بيداروا مشاعرهم تحت مسمى الصداقة! لترد أخرى: ليه لأ.. انا عندي زمايل ولاد كتير بحترمهم وبيحترموني من غير حب.

– قولتيها بنفسك أهو \”زمايل\”.. يعني كلام بحدود، وآخركوا باب الجامعة.

– طيب ما فلانة زميلتنا أهي، هي وفلان دايما سوا، وكل الناس كانت فاكراهم مرتبطين، لكنها بتقول إحنا صحاب وبس.

– صحاب وبس دلوقتي ممكن، لكن هل هيفضلوا صحاب وبس على طول؟ ماعتقدش.

تابعت حديثهم بصمت واهتمام, وعقل ممتلئ بالخواطر والأسئلة: \”لماذا لا يقتنع المجتمع بوجود علاقة صداقة بيضاء خالصة لا يشوبها الحب بين رجل وامرأة، أو شاب وفتاة؟\”، وبعد بحث طويل اكتشفت أنها ليست مشكلة المجتمع المصرى فقط، أو حتى العربى، بل العالم كله، فحسب دراسة أجراها معهد \”ألينسباخ\” بألمانيا وجدوا أن 29% فقط من الناس يؤمنون بإمكانية وجود صداقة بين صديقين مختلفين فى الجنس، بينما يعتبر الأغلبيه الأمر شبه مستحيل!

والحقيقة أننى استنكر ذلك وبشدة، فقد نشأت فى مدارس مختلطة طيلة حياتى، وتعرفت على الولد كما تعرفت على البنت، فلم انشأ على مبدأ الفصل, واعتبار كل من هم من الجنس الآخر كائنات فضائية مثلا يحظر التعامل معهم، فالصداقة تتم بين إنسان وحيوان، كيف لا تتم بين رجل وامرأة؟!

واعتقد أن كل من يرفض ذلك النوع من العلاقات، سبب رفضه يعود لواحد أو اثنين من أربعة أسباب رئيسية، أو ربما الأربعة أسباب كلهم.

1- جهل بالمعنى الحقيقى للصداقة وربطها دائما بالحب.

تلك العلاقة هى تفاعل روحى بإمتياز, وحوار متزن مع إنسان يصبح فيما بعد مرآتك الحقيقية, هو شخص لا تحتاج لأن تدّعي الكمال أمامه، بل تكون على طبيعتك تماما معه, مع ذلك تجده متقبلك كما أنت، بل ويبحث فيك عن نقاط جمالك الحقيقية ليشير لك إليها فى حال انعدام ثقتك بنفسك.

ومن خلال دراسة فريق من الباحثين فى جامعة \”كاليفورنيا\”، وبعد تحليل جينات عدد من الأصدقاء، توصلوا لوجود تشابه بينها. وأشارت الدراسة إلى أن درجة تشابه الجينات بين الأصدقاء تعادل درجة التشابه بين أولاد العم من الدرجة الرابعة.

وفى علاقة صداقة رجل بامرأة لا يعاملها كأنثى، بل كإنسانة، محترما فيها قدراتها العقلية, والعاطفية.

ومن مميزات أن يكون لك صديقا من الجنس الآخر، أنك تتعرف على طريقة تفكير جديدة تفتقدها مع من هم مثلك، فطريقة تفكير الإناث متقاربة والعكس.

2- رؤية الجنس الآخر من الناحية الغريزية فقط.

أن يكون الإنسان مائلا بطبعه لغرائزه, وشهواته، مهما حاول التظاهر بالبراءة، هى حقيقة لا مفر منها، لكن أن يقتنع أغلب الناس بأنه لا توجد علاقة صداقة نقية بين رجل وامرأة، وأن أى علاقة من ذلك النوع مثيرة للشك والنقد باعتبارها ستنتهي -على الأغلب- بحب أو بعلاقة غير شرعية! فالسبب يرجع لأن \”كل إناء بما فيه ينضح\”، بمعنى أن كل شخص مهما كان نوعه يرى النتيجة النهائية لأي علاقة حسب الطريقة التي يستخدمها هو.

كما أن معظم الرجال ينظرون للمرأة على أنها قطعة إغراء تجرهم للرذيلة، فلا يمكن اعتبارها صديقة أبدا، وبالمثل النساء أيضا معظمهن ينظرن لأي رجل على أنه ربما يكون \”عريس الغفلة\” يوما ما! ومن ثم تبدأ الأحلام الوردية والاعتقادات الوهمية فى الظهور.. هل تصلح لعلاقة عاطفية؟ هل يصلح للزواج؟

3- تأثير الدراما \”كل صديق هو حبيب سري\”.

إذا شاهدت فيلما عن صديقين مقربين، أحدهما رجل والأخرى امرأة، غالبا ما تجده يتخذ ذلك المنعطف الرومانسي.. سواء أن يشعر أحدهم فجأة بأنه يحب الآخر فيبتعد, أو يرتبط بشخص غيره حرصا على ألا يخسره, أو يعبر له عن مشاعره، وهو وحظه! المهم أن 90% من الأفلام السينمائية أو المسلسلات التليفزيونية لا تنتهى فيها الصداقة كما بدأت، فلابد للحب أن يتدخل.

لكننا نجد مثلا فى مسلسل \”تحت السيطرة\” قصة شريف ومريم، بينهما علاقة صداقة خالصة، ومع كل حلقة يتربص المشاهدون لتلك العلاقة.. متى يعترف لها بحبه؟ ها هو يساعدها للمرة الألف. ها هو يعرف أسرارا عن حياتها لا يعرفها زوجها نفسه.. ها هو يقف بجانبها فى الوقت الذى تخلى عنها فيه أقرب الناس إليها. ويحسم ذلك الجدل ظهور \”شيرين\” الحبيبة السابقة لشريف، والتى مازال يحبها رغم زواجها برجل آخر، وبذلك أظهرت الكاتبة \”مريم نعوم\” مثالا عن علاقة صداقة نقية بين رجل وامرأة، لا يعكرها الحب، انتهت كما بدأت.

4- اعتبارها علاقة مرفوضة دينيا.

صداقة رجل وامرأة لا يمكن إيجادها فى القيم الدينية، ولأن الإنسان مهما كانت ديانته أو عرقه يتلقى تربيته على أساس دينى وليس على أساس إنسانى، يستنكر تلك العلاقة باعتبارها مرفوضة دينيا.

كما أن ذلك النوع من الصداقات لا يتعدى وجوده حدود \”الحالات\”، ولا يترقى لأكثر من ظاهرة فردية مُريبه فى نظرهم.

فى النهاية، نتفق على أن الصداقة مهما كان نوعها هى علاقة مقدسة, وصديقك الذى تجمعك به روابط أخلاقية لن تعبأ بكونه رجلا أو امرأة, شابا أو فتاة، لأنك تراه وتعامله كإنسان يفهمك  ويتحاور معك بشكل عقلى بحت, ومشاعر نقية لا وجود للجنس فيها.

وباختلاف الآراء، من حقك أن تعتقد كما تشاء بالطريقة التى تناسبك، لكن عليك احترام رغبات واختيارات الآخرين، حتى لو أنك لا تتفق معها.. ليس من حقك اتهامهم بصفات تمس سمعتهم، أو شرفهم.. تلك النوايا والأحكام ترجع لقاضي السماء، فلم نسمع بعد عن بشري ترقى لدرجة أ. د. مكتشف للنوايا الخفية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top