دينا ماهر تكتب: ماذا لو كانت الناس دي بتهزر؟

يقولون أن آخر العنقود سكر معقود، لكني أرى أن آخر العنقود “زبون”. يكبرني إخوتي بأعوام كثيرة، وكنت دائمًا ما أسألهم عن كل شئ. وللأمانة كانت إجاباتهم في الكثير من الأوقات شافية وكافية. لكن الأمر لم يخل من بعض “الاشتغالات”، فكانت أختي تخبرني بمعلومات خاطئة على سبيل الهزار.

كل الأشياء تحتمل الجد والهزل، فحياتنا نفسها عبارة عن سلسلة من الهزار في قالب من الكلام الجاد، بداية من العياط في الحمام والجن، حتى أسطورة أن مصر بها حقول بترول سنكتشفها لاحقاً.

وها هو البترول يصل لأقل ثمن، ويتجه العالم لاستخدام بدائل للطاقة، وبترولنا لم يعلن عن نفسه بعد.

اكتشاف أن ما يقوله الكبار ليس صحيحا جعلني أفكر أنه ربما من نقلنا عنهم الكلام لم يقصدوه تمام القصد. ربما كان هزارًا تعامل الناس معه على أنه حقائق مطلقة، مثلما تعاملت مع هزار إخوتي.

مازال هناك من يستنكر استخفافك برأي قيل منذ خمسة قرون، ربما أكثر. الأمر أشبه ألا تضحك على نكتة قديمة فيصفك أحدهم بثقل الظل، فليس من العدل أن نضفي صفة القدسية على أشخاصٍ لمجرد أنهم عاشوا أزمانًا لم نعشها.. فكرة ساذجة، كسذاجة أن تقتنع أن أباك أو أمك لا يخطئان أبدًا. عن نفسي أفعل الكثير من الأشياء دون تخطيط مسبق، وأقول كلامًا دون تفكير، وأفعل ذلك دون أن أفكر أن كلامي قد يصير مانيفيستو لمن هم أصغر مني.

في الحقيقة الأمر مرعب، وأعتقد حين أشعر بذلك، سأخاف من كافة أشكال التعبير.. شعرت بالذعر حين أخبرتني قريبتي أنني مثل أعلى لابنتها المراهقة! شعرت كأني أحمل أطنانًا من القلق فوق ظهري.. ماذا لو تغيرت قناعاتي أو أرائي.. هل سيصبح ذلك مبررًا لاتهامي بالتلون؟! هل خوفي من الظهور بمظهر “العيّلة”، سيجعلني أتشبث بأفكاري السابقة وسخريتي التي لم تعد تضحك أحدا؟!

ربما نحن في حاجة لنظرة جديدة للأمور، ربما من سبقونا مثلنا، فعلوا الأشياء هكذا دون تفكير في العواقب.. ربما يجب ألا نأخذ الأشياء بمحمل الجد، في حين أن أصحابها أنفسهم قد قالوها وهم غير متأكدين منها تمام التأكد.

في حياتنا الكثير من الملكيين أكثر من الملك، من يدافعون عن الفكرة وكأنهم من قالوها!

في نقاشات كثيرة كنت أشعر أن صاحب الشأن سيكون أقل حدة في الدفاع عن نفسه، أو ربما يمتلك من رحابة الصدر ما يجعله ينظر للأمر بحيادية تامة، لكننا نجد من حولنا يدافعون عن آراء غيرهم، وكأنهم يدافعون عن حقهم في البقاء!

لكن لماذا لم نفكر يوما أن هؤلاء الناس ربما قالوا ما قالوه على سبيل الهزار؟! هؤلاد الذين وضعوا أسس كل شئ حتى أصبحنا نشعر أن كل الكلام قد قيل بالفعل، وما نفعله ليس سوى محاولات بائسة لإعادة تدوير الأفكار.. لماذا لا نفكر أن كلامهم هو مجرد كلام قاله أحدهم في وقتٍ ما وأكسبه الزمن الرزانة المطلوبة؟!

الإبداع يتطلب أن تتحرر من أفكار من سبقوك.. أن ترى ما لا يراه غيرك، وذلك يحتم عليك ألا تجعل الخوف من رد الفعل يسيطر عليك،  فالتفكير في رد الفعل دائمًا ما يؤجل الفعل، أو يجعله يأتي مهزوزا ضعيفا، فكم من قصيدة أو رواية أو قطعة موسيقية كانت ستبقى حبيسة عقول أصحابها لو كانوا توقفوا للحظة وتساءلوا: ماذا سيقول الناس؟

لماذا نستكثر على من سبقونا أن يقولوا كلامًا بهدف طق الحنك؟ وهل نحن نفعل شيئا سوى طق الحنك؟ هل سنتحمل أن يأخذ أحدهم سخريتنا بمحمل الجد، وأن نصبح مثار خلاف لا ينتهي؟ لا أعتقد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top