(لقد قطعنا آلاف الأميال حتى نرى شجرة الياسمين التي كنت تنام في العراء تحتها.. ولكنها لم تكن كما وصفتها في روايتك المذهلة.. حقيقة لم تكن على قدر طموحنا، لكن يكفي أننا جلسنا تحتها مثلك)
هذا جزء من رسالة أرسلها زوجان يابانيان إلى الروائي المغربي (محمد شكري).
كان الشكري صلعوكا أميا حتى العشرين من عمره، فتصادف أن دخل السجن في قضية بلطجة، وفي السجن علمه سجين سياسي القراءة والكتابة، ووضعه على الطريق، وبعد أن خرج من السجن، تدرج في مراحل التعليم المنزلي، حتى حصل على شهادته الجامعية.
لم يكن ذلك الأمر فقط جانب الإثارة الوحيد لدى هذا الشكري، فلقد شغلت روايتة الأولى (الخبز الحافي)، منابر الثقافة العالمية ردحا من الزمن بعد نشرها عام ١٩٨٢، فقد آل على نفسه أن يجعلها في سيرته الذاتية دون خجل من فصولها، حتى وإن كانت مثيرة للخجل، ودون مراعاة لصراحة الألفاظ، حتى وإن كانت خادشة للحياء، فمنعت من النشر والتداول في كافة الدول العربية، ليس فقط للحياء العربي المطاط، إنما لأنها كانت ثورة ضد النظام الأبوي والتعايش مع الجهل والفقر.
ترجمت الرواية إلى ٣٨ لغة، وحصدت العديد من الجوائز العالمية.
الحكم بحبس الكاتب الشاب أحمد ناجي بسبب روايته \”استخدام الحياة\” بتهمة خدش الحياء، يؤكد على أننا لازلنا نراوح في مكاننا في التخلف والانحطاط والتقعر الذي شكل مآساة محمد شكري، ودفعة للثورة عليه، ولا ينفع القول بالتأخر هنا، إذ أن المكتبة العربية زاخرة بمؤلفات العصور الوسطي المليئة بصريح الألفاظ مثل كتاب (عودة الشيخ إلى صباه في القوة على الباه) للإمام أحمد بن سليمان، وهو مجلد جنسي صريح، يصف أدق التفاصيل ويبرز أكمن الأسرار، أو الأقدم من ذلك كاشعار العصر العباسي الماجنة لابن برد والفرزدق وغيرهما، لذلك ليس تأخرا، بل تقدم نحو السقوط والتحلل.
ربما تفاجأ القاضي الجنائي الذي حكم على ناجي، بأن الأخير لم يسم الأعضاء التناسلية بمسمياتها النمطية الرسمية، واختار لها اللفظ الشعبي الصادم، وربما يكون ناجي قد أخطأ في ذلك، لكن الخطأ الحقيقي الكارثي أن ينظر مثل هذا القاضي في مثل هذا الأمر، فليس هكذا تورد الإبل يا أتعس الرعاة، فإذا كان الهدف هو الانتقام من العمل، فقد منحتوه أجنحة عظيمة ليحلق بها أبعد مما كان مقدرا له، وإن كان القصد تأديب الكاتب، فاعتقد أنه بعد أن ينتهي الأمر، سيكون سعيدا بتدويل مؤلفة، وتخليدة في رف الممنوعات، المشوق دائما.
لا تقل واقعة حبس ناجي الفكرية جرما وفداحة عن طعن نجيب محفوظ في رقبته السامقة من قبل قزم جاهل لم يقرا شيئا للمغدور العملاق، بل إن سجن ناجي أنكى وأضل، إذ أن العدوان هذه المرة ارتدى ثوب الدولة، واستعملت فيه أقدس أدواتها!
\”لعبة الزمن، لعبة أقوى منا، لعبة مميتة هي، لا يمكن أن نواجهها إلا بأن نعيش الموت السابق لموتنا.. لِإماتتنا: أن نرقص على حبال المخاطرة نُشداناً للحياة\”.. محمد شكري.