\”المرأة كتاب عليك أن تقرأة بعقلك أولا, وتتصفحه دون نظر إلى غلافه.. قبل أن تحكم على مضمونه\” .
جملة للدكتور مصطفى محمود، وهى فى نظرى من أفضل الجمل التى وصفت بها المرأة بشكل عام. أن ينظر الرجل للمرأة على أنها عقل, وقلب, وروح، قبل أن تكون مجرد جسد, ومظهرا جذابا، هى الخطوة الاولى لفهم النساء.
تتمحوّر فكرة أغلب الرجال عن فتاة الأحلام فى صورة الجميلة \”مارلين مونرو\” صاحبة العيون الساحرة, والصوت الملائكى, والجسد المثير، فما أن يراها الرجال حتى يتساقطون الواحد تلو الآخر تحت أقدامها, آمالهم تتلخص فى نظرة منها، ومن ثم تبدأ سمفونيات غزلهم فى العزف.
وهكذا يظل كل رجل يبحث عن مارلين فى حياته.. زميلاته فى الدراسة, العمل, بنات الجيران, الأقارب, صديقات شقيقاته البنات.. يبحث ويبحث عن ذلك الجمال الخارجي الذى يخطفه إليها منذ اللقاء الأول.. بل النظرة الأولى!
قد لا يشغله أن يحبها لشخصها بقدر أن يغريه شكلها, وأن تكون الصورة الأقرب للمرأة المثيرة, المثالية فى خياله. إلى أن يجدها, يتزوجها مهما كلفه الأمر، ومهما طلبت.. المهم أن يمتلكها فى النهاية.
وبعد الزواج تزول المساحيق, العطور، وكل المظاهر، ويبدأ فى اكتشاف زوجته الحقيقية من الداخل، وغالبا ما تكون عكس المتوقع، وغالبا أيضا تنتهى علاقتهما بالطلاق، أو بزوجين تعيسين يجمعهما سقف واحد، والمظهر الاجتماعي فقط.
بالتأكيد شكل الأنثى مهم، وهى تحتاج دائما ذلك الشعور بأنها جميلة، لكن الآن الجمال الخارجى لم يعد مشكلة على الإطلاق، فتطور عالم التجميل يوميا أصبح بإمكانه جعل \”البوصة عروسة\”. المشكلة الحقيقية تكمن بداخل النساء اللواتى بدأن بالفعل تصديق أنهن مجرد جسد فقط.. وحتى لا ننسى، فتاريخنا البشرى يذكرنا بأن دور المرأة فى أى مكان دائما مؤثر, ومهم، إليك بعض الأمثلة:
(1)
\”هيلين كيلر\” أكبر رموز الإرادة الإنسانية، بعد أن فقدت حاستى السمع والبصر, وأصبحت منعزلة تماما عن العالم الخارجى، مما تسبب فى جعلها طفلة عدوانية, وقد زاد تدليل والديها لها الأمر صعوبة, واصبح تأهيلها للتعليم على يد معلمتها \”آن سوليفان\” شبه مستحيل، لكن صبر آن وتفهمها لحالة كيلر، جعل المستحيل ممكنا, وبدأت هيلين تعى معنى الأشياء عن طريق لغة الإشارة مع معلمتها باستخدام حاسة اللمس، وبالفعل استجابت الطفلة.
وقد درست \”هيلين\” الإنجليزية، كما درست الألمانية, والفرنسية, واللاتينية, واليونانية، ثم حصولها على شهادتى دكتوراه، الأولى فى العلوم، والأخرى فى الفلسفة، كما أنها بدأت جولاتها حول العالم لمساعدة المعاقين فى كل مكان, ونادت بحقوق المرأة, وبالسلام.
الجدير بالذكر أن رصيدها فى تأليف الكتب وصل لثمانية عشر كتابا.
(2)
\”أوبرا وينفرى\” ولدت لعائلة فقيرة جدا, وقد عاشت فى صغرها مع جدها وجدتها بعد انفصال والديها.. لكنها نبغت فى دراستها المدرسية، مما جعلها معروفة بين زملائها بعلاقتها الجيدة مع مدرسيها.
وبعمر الرابعة عشر تعرضت للاغتصاب على يد أحد أقاربها، ونتيجة لذلك حملت بطفلها الأول، إلا أنه توفي مباشرة بعد ولادته بساعات قليلة, وبعدها ساءت حالتها، وأدمنت الهرويين, والكوكايين، حتى تصرفاتها اصبحت متهورة وطائشة.. لكن بعد انتقالها للعيش مع والدها، بدأت تعود لطبيعتها, ودراستها, وتفوقت رغم كل ما واجهها.
بدأ مشوارها الإعلامى وحياتها المهنية فى سن التاسعة عشر، حينما دخلت الإذاعة، وانقلبت حياتها عندما جاءتها البداية الحقيقية فى برنامجها Oprah show.. برنامج يسلط الضوء على القضايا التى تهم المجتمع الأمريكي، خاصة فى وقت باتت فيه أغلب البرامج مضمونها تافها. ورغم نجاحها, وشهرتها, وثروتها، لم تتغير وينفري، بل ظلت من أكثر الشخصيات الإنسانية حول العالم.
(3)
\”جميلة بوحيرد\” أميرة النضال, ابنة الثانية والعشرين، حينما ألقى جنود الاحتلال الفرنسي القبض عليها بعد إصابتها برصاصة فى كتفها, وفشلت محاولاتها المستمرة بالإفلات.. سقطت, حينما أفاقت فى المستشفى العسكرى بدأت معها محاولات الاستجواب للاعتراف على زملائها، لكنها تمسكت بموقفها، لتدخل فى نوبة تعذيب وصعق بالكهرباء استمرت سبعة عشر يوما، لتنتهي بالحكم عليها بالإعدام.
إلا أن العالم كله ثار وقدم برقيات استنكار على الحكم للجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة، فعدل الحكم للسجن مدى الحياة!
بعد أربع سنوات، وقد حررت الجزائر، خرجت بوحيرد من السجن لتعطي مثالا رائعا فى شجاعة المرأة وإرادتها.
ما ذكرته هو ثلاث أمثلة لثلاث سيدات، لم يجمعهن ببعض سوى الإرادة, العزيمة, وقوة الشخصية.. لم يحصلن من الجمال الخارجي على الكثير، لكن ما بداخلهن جعلهن الأجمل على الإطلاق، فالجميلات دائما هن القويات، والحياة السوية هى رجل وامرأة.. يحترم كل منهما الآخر، فإذا قدرتها وعاملتها كعقل واع, ومثقف، حتى لو لم تكن كذلك، قبل أن تراها جسدا جميلا، بالفعل ستصبح هكذا، فثقة المرأة ونظرتها لنفسها غالبا مستمده من نظرة من حولها لها.. أما إذا عاملتها كجارية \”وقد سمحت لك بذلك\”، فهى جارية!
وفى حال أن تجد تلك الأنثى القوية, الذكية, والمثقفة.. إياك أن تحاول تحويلها لأنثى ضعيفة, ومنعدمة الطموح، لتبقى تحت سيطرتك الكاملة فى تحطيم أحلامها, وكيانها المستقل، لأنك لن تستطيع.
لأن المرأة القوية تعلم جيدا قدر نفسها, وتعتز بذاتها، وأيضا حتى لا تبدو أمامها مغفلا.