مترجم: كيف تتخلص من العادات القديمة؟ (من منظور علم الأعصاب)

ترجمة: محمد أبو الفتوح

العادات هى سلوكيات أو أفكار مرتبطة بقوة شديدة بأعماق عقلك، لدرجة أنك تمارسها بدون تفكير. لماذا – و مع أن المخ مرن و قابل للتغيير – تكون العادات السيئة صعبة الكسر جدا؟

هنا تستطيع أن تتعلم عن كيفية تكون العادات من وجهة نظر علم الأعصاب، وكيفية استخدام هذه المعرفة لاستبدال العادات السيئة بأخرى إيجابية.

الخصائص المميِّزة للعادات:

إن المخ فى الأساس كسول، وعندما يستطيع يقوم بربط الأفكار والعواطف والسلوكيات فى دوائر عميقة تحت السطح، حيثما تصبح أوتوماتيكية. العادات تسمح لمخك بأن يعمل فى وضع الطيار الآلى (أوتوبيلوت).

خلال مرور اليوم تعمل وتتوقف المئات من العادات (كتل أوتوماتيكية من الأفكار والعواطف والسلوكيات)، ويتم ذلك عادة مع القليل من الوعى الإدراكى.

بعض هذه العادات ربما تظن أنها جيدة؛ كأن تغسل يديك بعد الذهاب إلى الحمام، أو تغسل أسنانك صباحا، أو تمارس التأمل يوميا.

وربما تعتبر عادات أخرى سيئة؛ كحديث النفس السلبى، أو أكل الأطعمة السريعة بين الوجبات.

ولكن معظم العادات فى الواقع متعادلة؛ كأن تقود سيارتك إلى عملك يوميا عبر نفس الشوارع، أو أن تتمرَّن دائما فى نفس المكان من صالة الألعاب الرياضية، أو تملأ عربة التسوق بنفس أنواع الأطعمة من نفس السوبر ماركت، أو تستمع أذنك إلى نفس أنواع الموسيقى.

وبغض النظر عما إذا كانت العادات جيدة أو سيئة أو متعادلة، فقد وجد علماء الأعصاب أن لكل العادات بضع قليل من الخصائص المميّزة:

1- العادات يتم استثارتها عن طريق إشارة معينة، أو موقف ما، أو حدث ما.

2- العادات يتم تعلمها مع الوقت بأن يتم تكرارها مراراً وتكراراً.

3- العادات تتم ممارستها بشكل أوتوماتيكى، مع القليل من الوعى الإدراكى غالباً.

4- العادات ما إن تُمارَس حتى تدوم.. ويصبح من الصعب جدا كسرها.

أين تتخزَّن العادات فى المخ؟

يُدعى مركز تنسيق العادات فى مخك بالـ (مُخطَّط)، وهو يتموضع عميقاً تحت القشرة الدماغية، حيث يكون جزءا من العُقَد القاعدية.

يتصل (المخطَّط) بوفرة مع القشرة الدماغية للفص الجَبهى من المخ.. المسؤولة عن الإحساس والشعور ومهارات التفكير العُليا. كما يتصل بالمخ الأوسط.

يقوم المخ الأوسط بإمداد المُدخلات القادمة من خلايا المخ التى تحتوى على (الدوبامين).

(الدوبامين) هو مادة كيميائية تُفرَز فى المخ، وترتبط بقوة بخلق المشاعر الإيجابية المتعلقة بالمكافأة، والأحداث ذات المغزى العاطفى.

أما عند حدوث ضرر كبير بـ (المخطَّط) نلاحظ أن العادات يصيبها الخلل فى حالات مثل الوسواس القهرى، والإدمان.

كيف تتكون العادات؟

لنأخذ تكون عادة حديث النفس السلبى كمثال، وهى عادة سيئة شائعة ومُدمرة، وتتلخص فى تواجد صوت داخلى فى عقلك.. يُكرر تعليقات خافتة تحُط من قدرك دائما، مثل:

– \”أنا شخص لا فائدة منه؛ لن أنجح أبداً.\”

– \”لن أبدو جميلا فى أية ملابس أبداً.\”

– \”أنا أب/أم سيئة، سيكبر أطفالى وهم يكرهونى، إنهم يستحقون من هى أفضل منى.\”

وبينما تقوم بترديد جملة سلبية ما لنفسك مرارا وتكرارا؛ تُطلق خلايا المخ فى الدائرة العصبية التى تضم قشرة الفص الجبهى والمُخطَّط والعقل الأوسط إشارات كهربائية فى نفس الوقت مراراً وتكرارا أيضاً؛ فتصبح الوصلات بين هذه الخلايا العصبية أكثر قوة، وفى النهاية ترتبط كل مكونات هذه الدائرة مُخزنة الفكرة كعادة.

هكذا تتحقق القاعدة التى تقول: \”الخلايا العصبية التى تُطلق الإشارات معا.. ترتبط معا\”، فيما يسمى بمرونة المخ.

ثم بعد أن تتخزن عادة حديث النفس السلبى فى هذه الدائرة، تقوم منطقة أخرى من المخ بتنفيذ العادة عندما تتم إثارتك، عن طريق إشارة معينة أو موقف ما أو حدث ما.

استخدم علم الأعصاب لكسر العادات السيئة.

إذن كيف تقوم بكسر عادة سيئة؟ تقدم لك دراسات علم الأعصاب مفتاحين لذلك:

– العادات تتم إثارتها عن طريق إشارة معينة أو موقف ما أو حدث ما.

– العادات ما إن تتكون حتى تصبح دائمة، وصعبة الكسر جدا.

لذلك حتى تقوم بكسر العادة:

– تعلم أن تُدرك المثيرات.

– اربط عادة إيجابية أو صحية جديدة مع نفس المثير للعادة السيئة.. وكأنك تكتب العادة الجديدة فوق القديمة أمام المثير.

لا شك أن كسر عادتك السيئة من الممكن تحقيقه بأن تنتبه بحرص إلى ماذا، وأين، ومتى ولماذا تتم إثارتها، وتكمن الخدعة بعد أن تدرك المثير فى أن تُكرر بوعى وحضور ذهنى السلوك أو الفعل أو الفكرة الجديدة المرغوب فيها بدلا عن مثيلاتها غير المرغوب فيها، وكما كان الأمر عند تكون العادات القديمة يجب عليك أن تُكرر هذه العملية حتى ترتبط العادة الجديدة بالمثير القديم الذى كان يقود لحدوث العادة القديمة.

كمثال، كانت إثارة حديث النفس السلبى عندى أنا شخصيا فى السنين الأولى بعد ولادتى لأطفالى تحدث بشكل أوتوماتيكى عندما أقوم بتحميل وتفريغ غسالة الأطباق.. كنت اقول لنفسى باستمرار: \”إن أطفالِك يستحقون أما أفضل منكِ.. إنكِ لا تستطيعين حتى إفراغ غسالة أطباق دون بكاء.\”، ثم تعلمت أن أُدرك أن فتح باب غسالة الأطباق كان هو \”المثير\”.

الآن استخدم عملية فتح باب غسالة الأطباق لأتدرب بوعى وحرص على تحميل وتفريغ الأوانى الفخارية وأدوات المائدة، ومع الوقت قمت بإحلال نشاط واع فى مكان عادة حديث النفس السلبى.

بالطبع هذه العملية ليست سهلة طوال الوقت، ولكن اختيار عادة جديدة.. ممتعة.. قادرة على إشعار الإنسان بالمكافأة، سوف يدفع الخلايا العصبية التى تُفرز الدوبامين لإطلاق الإشارات الكهربائية بشكل أسرع وأكثر سهولة؛ وبذلك يتم ربط هذه العادة فى الدائرة العصبية بشكل أسرع وأكثر سهولة أيضاً.

أيضاً يجب عليك أن تفهم أن العادات القديمة لا تموت أبدا، ولكنها بدلا عن ذلك تكون مقنَّعة بالعادات الجديدة، وأنك ربما تمر بانتكاسة سريعة.. حينها لا تكن قاسيا على نفسك بشكل مبالغ فيه، وبوعى شديد قم بالتقاط نفسك مرة أخرى.. وتعاطف معها.. وكما قال يوما أرسطو: \”نحن ما نكرر فعله؛ لذا فإن التفوق ليس فعلا، ولكنه عادة\”.

ترجمة: محمد أبو الفتوح – كاتب ومترجم مصري.

رابط المقال الأصلى.. اضغط هنا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top