جابر طاحون يكتب: شعب من الحراس

قوبل نزول الجيش في 2011 للشوارع بأريحية وحفاوة من كافة الأطياف، ثم بدأ يتقلص المتفائلون والراغبون في وجود وتحكم المجلس العسكري بزمام الأمور، خصوصا القوى الثورية، بعدما رأوا اللعب بالأوراق وأحداث ماسبيرو، ومجلس الوزراء، والتواد بين الإسلاميين وبين المجلس ومحاولة ضرب القوى ببعضها لتفتيت الزخم الثوري، وقد نجحوا في ذلك.

بعد وصول محمد مرسي للحكم بدأ الخلاف يكون حادا وواضحا، لكنها لعبة التوازنات مرة أخرى، الشارع هو من ضد الإخوان والمجلس العسكري / الجيش مجرد حام وخادم للشعب ورهن إشارته، ومن ثم تصدير الناس في الشارع ضد الإخوان وحكمهم، وأحداث 30 يونيو وتدخل الجيش (بناءً على رغبة الشعب لخلع محمد مرسي)، ولا بأس ببعض التغييرات في الديكور وإشراك محمد البرادعي -مثلا- في الحكومة، والتواري بالحوارات عن رغبة أي عسكري في الوصول للسلطة، حتى ترشح وتولى عبد الفتاح السيسي.

منذ توليه السلطة، والحاجة لاستعادة السطوة على الشارع ضد (بقايا)  الثورة وضد القوى الإسلامية، وتوجيه الخطاب نحو المواطنين الشرفاء لتدعيم السلطة ضد الثورة والإسلاميين، والمواطنون ليسوا بحاجة إلا للأمان والاقتصاد المستقر، فكانت الإعلانات البراقة عن المشاريع وأرباحها التي ستجعل العالم (يشوف مصر).

انتهت فزاعة الإخوان، لكن بقت فزاعة الإرهاب، ويجب سكوت الجميع حتى يحارب الإرهاب في صمت.

لم ينته الإرهاب ولا الحرب عليه، وانتهت المشروعات، إما بكونها وهمية بالأساس أو وهمية الطموح.

بدأت الناس في الانسحاب للصمت وازدادت فضائح التعذيب من الداخلية وعادت الشرطة لغطرستها مرة أخرى بصورة فظة ووقحة، كأنها تتحدى لعودتها كما كانت.. الأمر الذي وصل للتعدي على أطباء في مستشفى، والغريب هو تجاهل السلطة لما يحدث وعدم حديثها عن شيء، كأن شيئاً لم يكن.

حتى بعد اجتماع نقابة الأطباء واتخاذ قرارات لحماية أنفسهم، ما زال التجاهل قائما، ويجد كل يوم جديد كغلق مركز الطبيب، كأن السلطة تريد جعل البلد سجنا واسعا.

حين تخسر حلفاءك ويزداد غير الراغبين في وجودك، عليك أن تغازل حراسك، وليس على السلطة أن تهتم للأطباء أو غيرهم، لكن عليها أن تغازل الحراس، تزيد مرتبات ومعاشات الشرطة والجيش وتزيد المزايا لهم لترسخ وجودهم حولها.. زملائي في كلية الهندسة مثلا بمجرد تخرجهم ليأسهم من حصولهم على عمل يلتحقون بالجيش.. ضمان مالي واجتماعي في ظل تخبط الأحوال الاقتصادية.

تزيد السلطة من الرهاب بين الناس، ويصدر إعلامها الفزاعات دائما، وينهش في لحم من يتحدث ضد السلطة.

لم يتبق للسلطة وسيلة للحفاظ على بقائها إلا التهديد ونشر الخوف، للسيطرة عليهم وإغرائهم بالمناصب والأمان لجعلهم مخبرين لها ضد بعضهم البعض، ليكون كل واحد حارسا على غيره لمصلحة السلطة، وحارسا لأجل منصب أو مصلحة له.

وما تطمح له السلطة أن نصير شعبا من الحراس، حتى تكون لها السطوة والبقاء، ولا سلطة ترغب في الحراس إلا السلطة الخائفة.

الأمر الذي يحقق نبوءة عبد اللطيف اللعبي:

\”الحراس في كل مكان

يسيطرون على المزابل

على الكراجات

وصناديق البريد.

الحراس في كل مكان

في الزجاجات الفارغة

تحت اللسان

خلف المرايا.

الحراس في كل مكان

ما بين اللحم والظفر

ما بين الأنف والوردة

ما بين العين والنظرة.

الحراس في كل مكان

في الغبار الذي نبتلعه

في اللقمة التي نتقيؤها.

الحراس في كل مكان

بهذه الوتيرة

سيأتي يومٌ

نصبح فيه جميعًا شعبًا من الحراس.

لكن مشكلة السلطة أن تصدير الخوف يجعل الناس غرباء في وطنهم، والغريب في وطنه يجيء يوم ولا يتبقى أمامه إلا شره التهام كل ما حوله، فماذا عن من جعلوه غريبا في وطنه؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top