شيرين محمد رضا تكتب: كيف تكون "سكيور" في ٣٠٠ كلمة؟

طلب منا مُحاضر اللغة الإنجليزية تحضير أي موضوع شيق للتحدث عنه أمام زملائنا، فإذا الجالسة على يميني تمتد يدها لتحتضن يدي، ناظرة لي باستياء: \”يا لهوي هنعمل إيه\”؟ لم افهم أننا في موقف عصيب للحد الذي يتطلب تفكيرا عميقا للخروج منه.
في الصف السادس الابتدائي كانت مرتي الأولى للوقوف أمام حشد من ربات المنازل المتنكرات كمعلمات فُضليات مهمتهن إبداء رأيهن في الصغار، وتوجيهنا كيف نقود حياتنا لنصير رائعات ممتلئات مثلهن.
كنت أُلقي قصيدة لنزار قباني يتغزل فيها بـ\”جميلة بوحريد\” -قد انتزعت منها معلمتي العديد من الأبيات التي يصف فيها جسدها وآثار التعذيب عليه- وقد كانت من المرات الأولى التي يترسخ في وعيي البكر أن ذكر جسد الأنثي صراحة شئ يدعو للاستنكار والخجل – رغم حفظي التام لأبيات القصيدة بتشكيل كل حرف وإلقائي لها عدد لا يحصى من المرات من قبل أمام عائلتي- إلا أنني وجدت قدماي تصبحان هشتان كأن جسدي يرتكز على أصبعين من الـ\”فينو\”، يزدادان توترا مع كل سلمة أصعدها للمنصة.
تحكي لي صديقتي الصغيرة عن ارتباكها عند اقتراب ذلك الفتى الوسيم ليسألها إن كانت تود أن تنضم لمجموعة عملهم، لإتمام بحث ما عن موضوع مدرسي سخيف، وعن المونولوج الذي دار بداخلها \”كيف أبدو له؟\”، \”هل يرى بثور وجهي قبيحة جدا\”، \”رباه كم اود أن اختفي من أمامه.. أنا اكره نفسي!\”. قد يبدو هذا لك مبالغا فيه، لكن عند نقطة ما كلنا شعرنا بشئ مماثل لها.
من هذه النقطة، يبدو واضحا كيف يكون المرء عندما يرى نفسه غير جدير بالثقة مهتما بما يعتقده المحيطين به. في سبيل شعورنا أننا مقبولون، قد نفعل أي شئ.
فكلنا نخشي أن يجدنا الآخرون مملين سخفاء غير جديرين بصحبتهم.. كلنا نخشى الوحدة والهجر والطرد من جنة البشر الصناعية.
كل ما سبق هو ما ستختبره في بداية انخراطك في الحياه الاجتماعية، أي بمجرد أن تخرج من منزلك متوجها للحضانة، وأنت متشبث بيد أمك حاملا حقيبتك الصغيرة على كتفيك المُعدين لتحمل مصيرك المجهول، إلى أن تصطدم بحقيقة أن العشم في البشر ضلالة!
ستقف تحت شجرة العشم المقدسة طويلا، تأمل في أن تطرح فواكهها المُطعمة بالآمال والرضا البشري المسموم.. لن تمل من المرة الأولى أو الثانية أو حتى العاشرة، ستنتظر إلى أن تألف الوحدة.
أتذكر الوحدة التي هربت منها واحتميت بكل أنواع البشر وتركتهم يستخدمونك كيفما يشاءوا، فقط لتنعم بالمزيد من قطرات رضاهم عنك لتلعقها بنشوة محمومة؟ ستكتشف أنها ليست بهذا السوء، يوما فيوما ستجد أن ذهنك يصفو، ستجد وقتا أطول لتكتشف وتعيد اكتشاف العديد من الأشياء التي اردت دوما أن تفعلها، ستطرق طرقا، ما ظننت يوما أنك ستطرقها، ولدهشتك ستجدها تصلح.. ستجد أن ما ظننته نهاية وحائط صلب، ما هو إلا مُعتقد كاذب حتى تظل عبدا للناس وأهوائهم.
ستعتاد صحبة نفسك والحديث معها، لن تخجل من تحقيق أحلامك، أو لنكون أكثر واقعية، لن تخجل من أن تبحث عن حلمك أنت، لا الحلم الذي يجعلك تبدو جيدا كفاية للآخرين.
إن أردت أن تعرف إلى أي مدى أنت مرتبط برضا الآخرين وحرصك على تغذية صورتك أنك طبيعي وصالح تبعا لنظرتهم، فكر كم من الوقت يمكنك أن تقضيه بعيدا عن كل من تعرف، بدون أن تشعر بتلك الحكة الإدمانية تسري في عروقك.. حين تجد إجابتك، يمكنك أن تنطلق لتتحرر من حبال البشر.. حينها لن تكون عبدا لهم، بل عزيز نفسك.
رحلة سعيدة 🙂

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top