أي فريق تشجع؟ سؤال نسأله باستمرار عندما نستعد لمشاهدة مباراة بين الأهلي والزمالك، لتبدأ المساجلات التي هي أشبه بمساجلاتنا اليومية في الشوارع وأماكن العمل وحتى البيوت، لكن بالإمكان استخدام نفس السؤال ونحن نتعامل مع قضايانا اليومية، الجاد منها والتافه، وقد حدث ذلك تماما عندما اشتعلت أزمة أمناء الشرطة والأطباء، ومن بعدها أزمة أمين الشرطة وسائق الميكروباص في الدرب الأحمر، وأخيرا وليس آخراً، قضية الفنانة ميرهان حسين وضابط كمين الهرم.
أي فريق تشجع؟
لو كنت تشجع فريق الداخلية وضباط مصر الشرفاء، فأنت بالتأكيد ستدين ميرهان وستقوم بترويج الشائعات عنها وسوف تقوم بعمل فوتوشوب لصورها لتجعلها تظهر في صورة العاهرة التي اعتدت على رجال الشرطة وبالتالي هي تستحق الإعدام، وإذا كنت تابعاً لفريق الإخوان، فأنت فجأة ستتغاضى عن طبيعة العمل الفني وسوف تسترجع ذكريات القتل والسحل في رابعة، وستقول إن هذه هي آخرة المصريين الذين أسقطوا مرسي وتركوا الإخوان رمز البراءة والشرف ضحية للمشروع الصهيو أمريكي وصبيانه في مصر، ولو كنت من الثوار فبالتأكيد سوف تُعلي من قيمة الفن والفنانين وستتحدث عن أن الشرطة بلطجية وأن ميرهان لا يمكن تشرب الخمر ولم تدخن في حياتها وأنها بريئة في مقابل داخلية تعادي الحرية وتعتدي على المواطنين الآمنين.
فكرة الفريق هي التي ستذهب بنا إلى الضياع قريباً جداً وبأسرع مما تتخيلون، فمن الطبيعي جداً أن لا نتعامل مع مثل تلك القضايا بفكرة الانتماء لفريق في مقابل فريق آخر، وإنما علينا أن ننظر إلى القانون والدستور الذي من المفترض أنهما تم وضعهما لتنظيم العلاقات بين المواطنين على اختلافهم، ومن خلاله سيتم إرساء الأمن والأمان في هذا الوطن.
دعونا نأخذ موضوع ميرهان حسين كنموذج باعتباره الأحدث والأكثر وضوحا في كل اللغط الذي ندور حوله في بلدنا العريق، خالطين كل الأوراق في سلة واحدة، وسأقوم بسرد تفاصيل القصة بناء على ما قرأناه في الصحف والمواقع الإخبارية:
ميرهان فنانة مروحة بيتها في وقت متأخر من الليل بعد أن أنهت عملها في أحد بلاتوهات التصوير، تضع في سيارتها زجاجتين من الخمر وهناك كوب يحتوي على بعض منه بجوار لوحة القيادة، قادت سيارتها بتهور ولم تكترث لوجود كمين شرطة أمامها فتخطته ولكن المصدات البلاستيكية الموضوعة في آخر الكمين احتجزتها، فاضطرت إلى التوقف، جاء الضابط ليقوم بعمله في توقيفها فاعتدت عليه بالسب.
إلى هذه النقطة ليس على الشرطة أي مساءلة، لأنها تقوم بعملها.
المصيبة هي أن أفراد الشرطة تعاملوا معها بعد ذلك بما هو خارج عن القانون، فالضابط له الحق في توقيفها، ولكن ليس من حقه رد اعتدائها اللفظي بما يماثله، وحتى لو اعتدت عليه بالضرب، فلديه أساليب من المفترض أنه درسها في كليته للتعامل مع الحالات المشابهة للمواطن المخمور، منها إخباره بتجاوزه بصوت عال وواضح، وإن لم يستجب المواطن عليه أن يقوم بتقييده بالكلابشات بعد أن يقيده بأسلوب شُرطي بحت لا يحتوي على الضرب والتلطيش، وبعدها يجري عليه اختبار الثبات الخاص بالسكر، وإذا تيقن من أنه واقع تحت تأثير الخمر، يحرر له مخالفة ويرسله إلى قسم الشرطة ليتم تحرير محضر ومن ثم إلى المستشفى لإجراء تحليل الدم، ثم تحويله إلى النيابة بتهمة القيادة تحت تأثير الخمر. وبالطبع يقوم بتحريز زجاجات الخمر المفتوحة في سيارته، لأنها لو كانت مغلقة (لم يتم فتحها من قبل) فهي ليست تهمة من الأساس، لأنه مصرح بنقل الخمر بعدد معين من الزجاجات للمواطنين في السيارات الخاصة ووسائل النقل العامة.
وظيفة وزارة الداخلية ببساطة هي حفظ النظام والأمن في الشارع ومنع التجاوزات من قبل السيارات، وكل هذا له أسلوب مدروس ومتعارف عليه، ليس من بينه التعرض للمواطن بالضرب أو السحل أو غيره، مهما كان تجاوز هذا المواطن، لكن ما حدث لا يمت لما نتحدث عنه بصلة، فحتى لو كانت ميرهان متجاوزة فهناك أسلوب شُرطي مدروس ومقنن عالمياً للتعامل معها، ونحن هنا بالمناسبة لا ندافع عن ميرهان، فلو أثبتت المحكمة أنها اخترقت القانون فلتلق مصيرها بالسجن أو الغرامة وفقاً لما يرتأيه القاضي تطبيقاً للقانون، ولكننا ببساطة نحاول أن نرسي دعائم تنفيذ القانون المصري المحبوس في الكتب ولا يخرج إلى حيز التنفيذ.
الشرطة ليست فوق الشعب، وإنما بالعكس، هي موجودة لتخدم هذا الشعب وتحافظ له على أمانه ونظام شارعه من الخارجين على النظام العام، كما أن الشرطة من المفترض أنها هيئة توافق الشعب على أن يقتطع من رزقه ليدفع الضرائب التي يتم تخصيص جزء منها لتمويل جهاز الداخلية، ليقوم بالعمل الذي لن يتمكن المواطن من القيام به لانشغاله في حياته ورزقه، وبالتالي لا يحق بأي شكل من الأشكال، أن تتحدث الشرطة باعتبارها تتفضل علينا بما تقوم به، وأننا إذا اعترضنا على أدائها، أن تقول: (طب واللهي مش لاعبة شوفوا مين اللي هيحميكوا)، فهي جهاز ممول من نقودنا التي نكسبها بشقانا وتعبنا ولو كان أفراد الشرطة لا يرغبون في القيام بعملهم إلا إذا خرسنا تماماً عن انتقادهم أو محاولة تعديل مسارهم، فليتركوا مواقع عملهم وسوف يستبدلهم الشعب بغيرهم وفقاً للشروط المنصوص عليها في القانون والتي تنظم طريقة عملها. إذا النبرة الاستعلائية التي يتحدث بها الضباط وأمناء الشرطة لا محل لها من الإعراب ومن الآخر: (لو الشعب مش عاجبكم.. استقيلوا).
أما بخصوص الشعب المارق أو الخارج عن القانون، فأعتقد أنه من الواجب على الدولة تنظيم دورات – على الأقل في الدوائر الحكومية – لتوعية طبقات الشعب المختلفة بحقوقهم وواجباتهم وآداب الشارع والقيادة ….إلخ، لأن ببساطة أغلب المواطنين حصلوا على رخصة القيادة بالواسطة والرشوة، ونظرة بسيطة لطريقة عمل الدوران إلى الخلف أو دخول الميادين بالسيارت تجعلك تعرف أن المصريين يعرفون كيف يُشغلون المحرك والانطلاق بالسيارة كالمجانين في الشوارع، لكنهم لا يعرفون شيئا عن قواعد المرور.
بعيدا عن موضوع ميرهان، دعونا نعود إلى النقطة الرئيسية في كلامنا.. لماذا لا نحرر عقولنا من فكرة الفريق، وناصر أخاك ظالما أو مظلوما بعيدا عن المنطق الإسلامي الأصلي الذي قيلت فيه هذه الجملة، لماذا يجب علينا أن نكون ضد الشرطة والحكومة طوال الوقت، أو يجب علينا أن نكون مع المتجاوزين من المواطنين طوال الوقت، أو نكون هادمين لأي محاولة إصلاح باعتبارنا الفئة المجني عليها، وغيرنا جناة وعليهم أن يذوقوا شر ما فعلوا فينا.. لماذا لا نحاول ببساطة أن نُرسي دعائم القانون وتنفيذه.. وعلى فكرة نقدر لو كلنا عرفنا القانون واحترمناه وأجبرنا الداخلية على احترامه.. بعد ذلك فلترتدي ميرهان ملابس عارية براحتها، ولتجبرها الشرطة على الوقوف في الكمين براحتها، وكله بالقانون.
متى تتوقف البلطجة بيننا جميعا.. مواطن ومخبر وإخوان؟