معتز حجاج يكتب: بيضة المنيا.. آخر الرسالات السماوية

من بين 8 ملايين تشبهها، وجدها دكتور مدحت عبد الوهاب مدير محطة دواجن شوشة بمحافظة المنيا، إحدى محافظات صعيد مصر، أحاطها بيديه، لم ير ذلك كافيا لحمايتها، فوضعها في صندوق من خشب الصندل المزركش مبطن من الداخل بقماش قطيفة، ثم قدمها للمحافظ اللواء طارق نصر، وعلى وجهه إبتسامة يزيد من جلالها خشوع رهبان ما تركوا صومعتهم منذ زهدوا الحياة.
للحزن دموع وللفرح أيضاً، الأخيرة كانت هي التي تسربت من بين جفني اللواء، بيضة على قشرتها لفظ الجلالة، سبحان الله.. لم يرهق أحدا منهما ذهنه لدقائق كي يسأل، ألا يمكن أن يكون خللا جينيا؟
بالطبع لا، إن كان لفظ الله منقوشا على قشرتها، فقد تكفل هو -جل شأنه- بالتفسير، ولا داعي لفتح باب التساؤل، ولنزف لأبناء المحافظة ولمصر والعالم العربي والإسلامي كله هذا النبأ السعيد في بيان رسمي.
لاحظ؛ دكتور مدحت خريج كلية المتفوقين (الطب) واللواء طارق نصر ابن مؤسسة شرطية تحارب الإرهاب، وكليهما مسئول في مناصب قيادية ببلد تطمح أن تكون \”آآآد الدنيا\”!


إذا ساد اليقين سُجن التساؤل
لا أعلم متى حدث ذلك؟ بالأحرى هل كان الوضع كما نحن عليه اليوم في عصور نهضة المسلمين؟ الأكيد أن الله سيطر على مخيلة المؤمنين الآن، طرد العقل من كل مجال، من السياسة، والعلم، والرياضة.. تجد الرئيس العربي يقف بين يدي شعبه الذي نصبه، ويطالبهم الثقة به لأنهم مسئولون منه أمام الله، الله وليس الشعب أو مجلس نوابه.
أما الكرة فقد لقب أكثر المنتخبات العربية حصدا للبطولات منذ 2006 حتى 2010، المنتخب المصري، بمنتخب الساجدين، إذن فاز لأنه يسجد لا لأنه تدرب وخطط جيداً، فلما ساءت نتائج منتخبنا اليوم، هل كف عن السجود أم هناك معاصي أكبر يرتكبها أحدهم في غرفة تغيير الملابس؟ بل لماذا تتصدر أوروبا لعبة الكرة في العالم؟ أهم من الساجدين أيضاً؟ لن تجد لكل ذلك إجابات مقنعة، اليقين لا يجادل من الأساس.

سيقولون ولماذا لا نؤمن بالله ونتقدم؟ ألم نفعلها من قبل؟ ذلك عصر ولى، كنا فيه منتصرين، أما الآن فنحن نلجأ إلى الله لجوء العاجز، والعجز يلزمه خزعبلات تحييه، ويقين مكبل يسكن إليه.
قنديل أم هاشم مشتعلاً منذ 76 عاماً.. فما الجديد؟!
قبل 76 عاماً، استل الأديب الراحل يحيى حقي قلمه، وبدأ يسطر واحدة من أهم القصص العربية حتى اليوم، ليجيب على سؤال ملح في ذلك الوقت، الخرافة والعلم، هل يجب أن يموت أحدهما كي يحيى الآخر؟
قصة قنديل أم هاشم المنشورة ضمن مجموعة \”النيل والفرات\”، انتشرت حينها حتى تحولت إلى فيلم من بطولة شكري سرحان وسميرة أحمد.

إسماعيل الطبيب الذي ذهب للدراسة في أوروبا، يعود ناقما على جهل أهله، يجد خطيبته وقد فاقم من التهاب عينيها زيت قنديل أم هاشم التي دأبت والدته على وضعه في عينيها، كانا يؤمنان بأنه دواء ناجز، ثار وهشم القنديل، فكاد يقتل على أيدي مريديها.
وجد الأديب يحيى حقي الحل على لسان دكتور إسماعيل في ختام القصة \”فهمت الآن ما كان خافيا علي: لا علم بلا إيمان. إنها لم تكن تؤمن بي، إنما إيمانها ببركتك أنتِ وكرمك ومنك. ببركتك أنتِ يا أم هاشم\”.. فعاد إسماعيل وعالجها به، وحدثت المعجزة، برأت عينيها، وتزوجها، وأنجب منها 11 من النين والبنات أسوة بأبيه وجده!
أغرقنا زيت أم هاشم فضاعت بصائرنا
المواطن الذي لا يملك حق عزل رئيسه فضلا عن اختياره، سيقول لك حينما تحدثه عن السياسة \”ربنا يولي من يصلح\”، بالضبط كالمريض الواقف أمام دكتور غير مسلح بالعلم والأدوات اللازمة لعلاجه، وليس لديه من اختيار غير أن يعلق آماله عليه، سيقول \”ربنا هو الشافي\”.. هكذا مباشرة، الله والإنسان وليس بينهما وسيط اسمه الوسائل والسعي.
هي ظروف اجتماعية سياسية اقتصادية في الأصل جعلت من الله حصن من لا يملك مأوى يعصمه من رياح عاتية، لا قوة تدفع إلى التفكير والإبداع والإبتكار، بل قيد مربوط بحجر ملقى في هوة سحيقة، فعلينا أن نقطع قيدنا، نخرج للرياح ونصطدم معها، التلفيق الذي حاول أن يصنعه \”يحيى حقي\” ثلاثة أرباع قرن ما عاد ممكناً، عصر الـ80% أميين انتهى، ولدينا اليوم الآلاف من خريجي الجامعات يتولون أرفع المناصب، ويحتاجون من يقول لهم: \”عيب يا حبيبي لما تقعد تتفرج على ريهام سعيد وهي بتصور الجن، إنت خريج جامعة\”.. لو لم يكن الصدام، فلن تكون بيضة المنيا آخر الرسالات السماوية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top