أحمد ناجي محكوم عليه بالحبس لسنتين!
والتهمة \”استخدام الحياة\” في منطقة الحياة فيها غير صالحة للاستخدام.
لم يقتل ناجي ولم يسرق ولم يختلس الملايين، فقط كتب، تخيل شخصيات وأحداثاً وكتب رواية، فحوكم بتهمة خدش الحياء العام.
عن نفسي لا أفهم تعبيرات من قبيل \”خدش الحياء العام\”، \”ازدراء الأديان\”، \”الإساءة لسمعة مصر\”، أتحسس من مطاطيتها وطغيان اللامعنى عليها. أنا من أقضي – بحكم مهنتي – معظم وقتي في اللعب مع الكلمات وبها؛ في استنطاقها ومحاولة الوصول إلى أقصى طاقتها التعبيرية، أجد نفسي غير قادرة على فهم مثل هذه العبارات.
ما أفهمه الآن أن الكتابة في مصر مهنة خطرة، بل بالغة الخطورة. ألم تعرض شيخاً في الثمانين لمحاولة ذبح؟ ألم تهدد بتفريق مفكر عن زوجته وكلفته سنوات من النفي؟ ألم يُقتل آخرون ويضطر غيرهم إلى اللجوء السياسي أو الهجرة لأنهم تجرأوا على التفكير والتخيل، تجرأوا على الكتابة؟
الخيال مخيف ومهدِد لأن له القدرة على خلخلة المستقر والراسخ وهدم الكليشيهات والأفكار الجاهزة. أن تطلق لخيالك العنان يعني أن تستعد للغوص في مساحات ومناطق غير متوقعة سيقودك خيالك إليها، أن تتدرب على مواجهة أشباحك ومخاوفك. وقبل كل شيء آخر أن تتوقع ما قد يجلبه عليك خيالك في ظل سلطة تعادي الخيال لأنه مرادف للحرية والخلق.
كتبت يوما أن الكتابة في ظل نظام ديكتاتوري أشبه بالسير مغمض العينين في حقل ألغام، ولسنوات تالية كنت أخجل كلما تذكرت هذه الجملة. \”دراما كوين\” كنت أردد ساخرة من نفسي ومتبرئة من الكليشيه المكرور، لكن من قال إن \”الكليشيهات\” خاطئة؟ على العكس من ذلك، مكمن ضعفها أنها صحيحة لدرجة لا نحتاج معها إلى النطق بها، إذ يشبه الأمر حينها تفسير الماء بالماء.
مؤخراً ومع التضييق الممنهج على حرية الرأي والتعبير ومع الإصرار على محاصرة الخيال، أشعر باختناق حقيقي لا مجازي، كما أن عدم وجود قواعد أو منطق، يقربنا أكثر من مشهد شخص معصوب العينين يسير في حقل ألغام، شخص يتوقع كل لحظة أن ينفجر فيه لغم لا يعرف بالضبط أي خطوة من خطواته ستقوده إليه.
لن أتورط في التبرير، لست في حاجة لاستدعاء مقاطع جريئة من كتب تراثية أو الإشارة إلى أحكام قضائية انتصرت لحرية الإبداع والتفكير أو الخوض في بديهيات حول عدم جواز اقتطاع فقرات من سياقها الأوسع، وضرورة الرد على الكتابة بالكتابة لا بالمصادرة والسجن. أنا مع حرية الخيال بشكل مطلق، في النهاية القارئ ليس مجبرا على قراءة ما يراه \”خادشا لحيائه\”، وليس مضطرا للإطلاع على ما لا يعجبه. رواية أحمد ناجي ليست مقررة ضمن المناهج الدراسية مثلاً كي يقف ضدها ضيقو الأفق. الأدب الجديد مطرود من \”جنة\” مدارسكم، تلك المدارس التي نجونا بأعجوبة من تأثير ما درسناه فيها من رداءة وركاكة وتعصب وما تعلمناه على مقاعدها من أن الحفظ والتلقين أسلم من الفهم والمحاججة والنقاش ومن أن الشك والعقل النقدي يؤديان إلى التهلكة. أكتب نجونا وأتساءل في سري \”هل حقا نجونا؟\”
أظن أن أول خطوة نحو النجاة هي التشبث بالخيال كمنقذ ومرشد، وبهذا يكون الوقوف مع أحمد ناجي، وأي كاتب يُحاكم بسب أفكاره هو وقوف مع الذات، فالزنزانة المسماة مصر تضيق أكثر فأكثر، ولا أحد آمن حتى من يدعمون النظام الحالي!
يُنشر هذا المحتوى في إطار حملة مشتركة بين مواقع \”زائد 18\”، و\”مدى مصر\”، و\”قل\”،و \”زحمة\”. للتضامن مع الروائي أحمد ناجي.