تساءل المخرج العبقري المشاكس يوسف شاهين، في آخر أفلامه السينمائية، عن إن كنا نعيش في فوضى، أو في غابة لا يطبق فيها سوى قانون \”من يملك السلاح يملك الحق في تقرير مصائر من حوله\”، آتيا بحاتم الذي مثل وزارة الداخلية بكل صولاتها وجولاتها في انتهاك القانون وانتهاك حقوق المواطنين ومن يفترض بها أن تحميهم، وفرض الأتاوات والبلطجة.
إلا أنه في نهاية فيلمه تنبأ بالثورة التي قادها المظاليم، لكنه لم يتوقع أن يتم اغتيال الثورة، ويعود حاتم وتعود وزارة الداخلية لسابق عهدها من الانتهاكات والجرائم التي تجردها من المهام التي وجدت من أجلها من الأساس، وهي حماية الضعفاء وحماية الحق، بل إنها ابتعدت كثيرا عن هدفها، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من الظلم الواقع على المواطن المصري.
ففي أيام قليلة ارتكبت وزارة الداخلية، ما لا يمكن وصفه سوى بالجرائم، أغلبها كان على أيدي، \”دولة حاتم\”، بداية من تعذيب المساجين، وتلفيق التهم، وقتل المتهمين بالتعذيب، والاشتباه بها في قتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، ثم التحرش بمواطنة في عربات المترو، وضرب أخرى لأنها أرادت تنفيذ القانون، وحتى كتابة سطور هذا المقال، كانت آخر جرائم الوزارة، قتل سائق في منطقة الدرب الأحمر، بعدما رفض أحد الأمناء دفع الأجرة المطلوبة منه.
على جانب آخر، هناك رئيس للدولة جرده مؤيدوه من كل مسئولياته واختصاصاته، فجردوه من مسئوليته عن حفظ الأمن، وردع المخطئين بشكل عام، ومن وزارة الداخلية بشكل خاص، وقبلها جردوه من مسئوليته عن فشل المفاوضات في أزمة سد النهضة والوصول إلى طريق مسدود، ثم جردوه من مسئوليته عن الأزمة الاقتصادية، وبالطبع هو ليس مسئولا عن أزمة العملة الصعبة التي تسبب فيها حفر قناة موازية لقناة السويس في عام واحد دون أن يكون لها عائد اقتصادي مجد، وبالطبع جردوه من مسئوليته عن ما يسمى بجهاز الكفتة من قبل.
إذا هو ليس مسئولا عن شئ وليس هناك فشل وسط كل الإخفاقات التي نحيا في قلبها، هو قادر على السيطرة عليه، فهل يتكرم علينا السادة المؤيدين ليعلمونا صلاحيات الرئيس ودوره بالضبط في حكم تلك الفوضى؟
أم أنه ضعيف لدرجة أن كافة مؤسسات الدولة ومسئوليها يعملون على حسب المزاج الشخصي، وليس هناك رادع للمخطئين، فهل يمكن استنتاج أن مصر، تلك المنطقة التي عرفت نظام \”الدولة\”، منذ آلاف السنين، أصبحت تحيا في عشوائية وفوضوية وهمجية، رغم وجود رئيس عسكري على رأس البلاد، أتى ليعيد النظام ويقضي على الإرهاب، ويستقر بالبلاد، كما روج مؤيدوه منذ البداية.
والواضح أنه فعلا ليس هناك دولة وليس هناك نظام، وإنما هناك \”شلة\” على رأس الحكم تسِير مصالحها غير عابئة، بما يدور في تلك البلاد وقد يؤدي إلى ما هو أسوأ من أكبر كوابيسها؟
والحق أن صمت الرئيس العسكري، المدير السابق لجهاز المخابرات الحربية، يعني أنه يعلم كل ذلك، ويوافق عليه، فتجاهله لأزمة نقابة الأطباء مع وزارة الداخلية في خطابه أمام مجلس النواب، وإشادته بالوزارة، وحديثه عن أنها أحد دعائم بناء الدولة القوية، لا يعني سوى أمر من اثنين أسوأ من بعضهما.
إما أنه يعلم كل شئ ويوافق على سير الأمور بهذا المنهج، أو أنه لا يعلم شيئا مما يجرى على أرض الواقع، وهنا علينا التساؤل عن ماهية وظيفة وطبيعة دور الرئيس، فعلى المؤيدين والمكابرين ومصدري تهم العمالة لكل صوت معارض أن يضعوا أنفسهم أمام تلك التساؤلات، وإلا سيستيقظون يوما على ما لا يحمدون عقباه.
أما عن سؤال شاهين، رحمه الله، إن كنا نعيش في فوضى، فنعم \”هي فوضى\”، فدولة حاتم والبيادة لا تخلق سوى الفوضى.