ليل خارجي.. الساعة الواحدة والنصف صباحا.. شاب يستقل سيارته متجها إلى منزله بعد يوم عمل مرهق مارا بأحد الكمائن الشرطية ويتوقف بناء على إشارة أحد الأشخاص له.
فاتحا زجاج السيارة: \”سلام عليكم\”
أحد الضباط يرتدي ملابس مدنية وتبدو عليه علامات الضيق: \”بطاقتك والرخص\”
الشاب: \”اتفضل\”
الضابط: \”موبايلك\”
الشاب باديا عليه عدم الفهم: \”ليه حضرتك؟\”
الضابط: \”إنت ها ترغي؟؟! اركن لي على جنب\”
مشهد يحدث بشكل يومي، ليس فقط من خلال \”كمائن\” الشرطة المنتشرة بشكل مكثف لحماية مصر من خطر \”الإرهاب\”، لكنه يحدث في محطات المترو, داخل الجامعات, المؤسسات الحكومية والشرطية، وقد يحدث داخل منزلك بعد إحدى مداهمات الفجر اليومية العشوائية للبحث عن الإرهاب والمتأرهبين.
هل تساءلت يوما لماذا تسمى نقاط التفتيش الشرطية \”كمين\” رغم أن معناها في المعجم \”قوم يستخفون في مكمن أو مخبأ يرقبون مرور عدوٍ؛ ليهاجموه في غفلة منه\”؟!
اتذكر في بدايه عملي كمحامية متدربة أنني تعلمت وقتها أن قضايا المخدرات هي من أسهل القضايا، لأنه دائما ما يشوبها بطلان الإجراءات، فالسيد مأمور الضبط القضائي غالبا ما يستوقف المتهمين دون سند من القانون، ثم يقوم بتفتيشهم وهو إجراء باطل لأنه تابع لإجراء الإستيقاف الباطل.
ولكننا كبرنا وهرمنا مما نراه من انتهاكات قانون الإجراءات الجنائية، الذي اصبحت لا أستطيع التعرف عليه الآن، فالتفتيش الآن لا يستهدف البحث عن المخدرات والأسلحة أو القنابل، لكنه يستهدف هاتفك وحاسبك المحمول وما قد يحتويه من صور شخصية أو غير شخصية، أو رسائل أو محادثات فحواها مكنونات حياتك الشخصية، أو ما تعتنقه من أيديولوجيا أو رأي سياسي أو اجتماعي أو حتى ما تم تخزينه عن طريق المصادفة من وسائل التواصل الاجتماعي، وقد يكون لا يعبر عنك، لكنه على هاتفك بأي حال.
مثل ذلك مثل زوار الفجر.. تفتح عينيك فجرا، فترى أحد ضباط الشرطة داخل غرفه نومك يستمتع بمشاهدتك وزوجتك بملابس النوم ويعبث بكل محتويات منزلك، بينما من يصاحبه من قوات الأمن يجردك ومنزلك من كل ما هو ذا قيمة، ثم يتم اجترارك إلى مكان غير معلوم من وسط أهلك الفزعين، لأن الأمن الوطني الذي يراقب صفحات التواصل الاجتماعي اثبت أنك أبديت إعجابك بإحدى الصور أو المقالات المعارضة للنظام، فقرر أنك تستحق عقوبة الإلقاء في الجحيم.
الأصل في الإنسان البراءة \”ذلك هو ما استندت إليه محكمة النقض في أحكامها التي طالعتنا حديثا بأنه:
\”لما كان من المقرر أنه لا يصح في القانون أن يقوم رجل الشرطة في سبيل أداء دوره الإدارى الذي نص عليه في قانون المرور أن يعد كمينا يستوقف فيه جميع المركبات المارة عليه دون أن يضع قائدها نفسه موضع الشبهات بسلوك يصدر عنه اختياراً، ولا يصح لرجل الشرطة أن يستوقف المارة في كل طريق عام ليطلع على تحقيق شخصية كل منهم ما لم يضع الشخص نفسه باختياره موضع الريب والشكوك، لأن في استيقاف جميع المارة أو المركبات عشوائياً في هذه الأماكن إهدار لقرينة البراءة المفترضة في الكافة، وينطوي على تعرض لحرية الأفراد في التنقل المقررة في الفقرة الأولى من المادة 41 من الدستور والقول بغير ذلك يجعل النص الذي رخص له في الإطلاع على تراخيص المركبات وتحقيق الشخصية مشوباً بعيب مخالفة الدستور وهو ما يتنزه عنه الشارع، إلا أن تكون جريمة معينة وقعت بالفعل ويجرى البحث والتحري عن فاعلها وجمع أدلتها، فيكون له بمقتضى دوره كأحد رجال الضبطية القضائية أن يباشر هذه الصلاحيات مقيدا في ذلك بأحكام قانون الإجراءات الجنائية . لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن ضابطي الواقعة حال وجودهما بأحد الأكمنة في سبيل أداء دورهما الإداري استوقفا السيارة الخاصة قيادة الطاعن دون أن يصدر عنه ما يثير الريبة والشك في وقوع جريمة ما، فإن الاستيقاف على هذا النحو يتسم بعدم المشروعية مشوباً بالبطلان، وباطل أيضا ما ترتب عليه من تفتيش.
(الطعن رقم 1161 لسنة 79 جلسة 2011/03/24)
كما قررت في حكم آخر أنه:
\”من المقرر أنه لا يجوز تفتيش السيارات الخاصة بالطرق العامة بغير إذن من سلطة التحقيق وفى غير أحوال التلبس إلا إذا كانت خالية وكان ظاهر الحال يشير إلى تخلى صاحبها عنها، وكان من المقرر أنه لا يصح في القانون أن يقوم رجل الشرطة في سبيل أداء دوره الإداري الذي نص عليه في قانون المرور بالاطلاع على تراخيص المركبات أن يعد كميناً يستوقف فيه جميع المركبات المارة عليه دون أن يضع قائدها نفسه موضع الشبهات بسلوك يصدر عنه اختيارا، ولا يصح لرجل الشرطة أن يستوقف كل المارة في طريق عام ليطلع على بطاقة تحقيق شخصية كل منهم ما لم يضع الشخص نفسه باختياره موضع الريب والشكوك، لأن في استيقاف جميع المارة أو المركبات عشوائيا في هذه الكمائن إهدار لقرينة البراءة المفترضة في الكافة وينطوي على تعرض لحرية الأفراد في التنقل المقرر في الفقرة الأولى من المادة 41 من الدستور والقول بغير ذلك يجعل من النص الذي رخص له في الاطلاع على تراخيص المركبات أو بطاقات تحقيق الشخصية مشوبا بعيب مخالفة الدستور وهو ما ينزه عنه الشارع، إلا أن تكون جريمة معينة وقعت بالفعل ويجرى البحث والتحري عن فاعلها وجمع أدلتها فيكون له بمقتضى دوره كأحد رجال الضبطية القضائية أن يباشر هذه الصلاحيات مقيداً في ذلك بأحكام قانون الإجراءات الجنائية.
لما كان ذلك، وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أن ضابط الواقعة حال تواجده بأحد الأكمنة في سبيل أداء عمله الإداري استوقف السيارة الخاصة التي كان يستقلها الطاعن دون أن يصدر عنه ما يثير الريبة والشك في وقوع جريمة ما، فإن الاستيقاف على هذا النحو يتسم بعدم المشروعية مشوبا بالبطلان وباطل ما ترتب عليه من قبض، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وجرى في قضائه على صحة القبض والتفتيش، فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون بما يوجب نقضه. لما كان ذلك، وكان بطلان الاستيقاف مقتضاه قانونا عدم التعويل في الحكم بالإدانة على أي دليل مستمداً منه، وبالتالي فلا يعتد بشهادة شهود الإثبات\”.
(الطعن رقم 51965 لسنة 73 جلسة 2010/10/25)
إذن.. ابطلت محكمة النقض أعمال كل ما نراه بشكل يومي من تشكيلات أمنيه تعترض الشوارع بشكل يومي، ليس للحفاظ على الأمن أو للتحقق من رخص السيارات والتزامها بقواعد المرور، ولكن لبث الرعب في النفوس وملأ السيارة الميكروباص بسيئي الحظ من المارين بالشارع في هذا التوقيت، وملأ جيوب أمناء الشرطة بغنائم هذا التوقيف الخارج عن نطاق القانون.
لكن في مقابل تصدي محكمة النقض لانتهاكات التشريع من قبل السلطة التنفيذيه، ففي فترة مظلمة من عمر التشريع المصري، صدرت مجموعة من القوانين التي رمت بعرض الحائط كل مجهودات مراقبه تطبيق القوانين والحرص على الالتزام بحدودها، بل وامتدت هذه الفتره بعد انعقاد البرلمان (السلطة التشريعية) والذي وافق دون نقاش على أغلب هذه التشريعات المتناقضة تناقضا صارخا مع كل ما تلتزم به الحكومة المصرية دستوريا، ومع كل ما التزمت به مصر من اتفاقيات ومعاهدات دولية.
فبالطبع عزيزي المواطن إذا تعرضت إلى انتهاك يتعلق بالتعرض إلى حريتك الشخصية أو تفتيشك ومنزلك دون مسوغ قانوني، فمن حقك الاعتراض والاستمساك بالالتزام بتطبيق القانون قي حقك، ولكن تنص المادة رقم 8 من قانون مكافحة \”الإرهاب\” – الذي أصدره السيسي ووافق عليه مجلس النواب – على أنه \”لا يُسأل جنائيا القائمون على تنفيذ أحكام هذا القانون إذا استعملوا القوة ﻷداء واجباتهم، أو لحماية أنفسهم من خطر محدق يوشك أن يقع على النفس أو اﻷموال، وذلك كله متى كان استخدامهم لهذا الحق ضروريا وبالقدر الكافي لدفع الخطر\”.
ذلك غير السيد اللواء وزير الداخليه وفي أول لقاء له بالضباط بعد تعيينه، وجه لهم عميق الشكر وطلب منهم السعي جاهدين للقضاء على الإرهاب، ووعدهم قائلا: \”ماحدش ها يتحاسب\”.
بين منابر القانون ومقابرها ويد السلطة الباطشة؟ لمن الملك اليوم؟!