كتب الأستاذ صلاح عيسى مقالا يدحض فيه رسالة باللغة الإنجليزية، كانت منى سيف وجهتها إلى غير المصريين، تعليقا على مقتل الشاب الإيطالى \”جوليو ريجينى\”، تنصحهم فيها بعدم المجىء إلى مصر، لأن الشرطة المصرية لن تقدم وسائل الأمان الكافية لهم.
ارتكز دحض صلاح عيسى على اتهامه لمنى سيف بالفوضوية والرغبة فى تنفير الأجانب والنيل من السياحة، ومن ثم تجويع المصريين وقتلهم.
لا غبار أن تكون هذه هى وجهة نظر الأستاذ صلاح عيسى، خاصة إذا ما عرفنا أن بعض وسائل الإعلام الغربية والإيطالية تحديدا الآن تتلقف مثل هذه الرسائل باهتمام بالغ وتنشرها على مواطنيها، لكن الغريب فى مقاله أمرين: الأول أنه يتساءل عن الدافع الغامض الذى حمل هذه الفتاة لكتابة رسالة كهذه. أما الثانى: فهو الربط بين رغبة منى سيف هى ومن معها من فوضويين –على حد قوله– فى الإطاحة بالنظام الحالى الذى يؤيده معظم المصريين من أجل عودة الرئيس المعزول مرسى إلى سدة الحكم.
بداية لا يليق بصحفى محنك أن لا يعرف عمن يكتب، منى سيف هى حفيدة مصطفى سويف أكبر وأعظم من دَرس علم النفس فى بلدنا، وأكثر العلماء تواضعا وتفانيا فى كل مسيرته العلمية والعملية، وابنتيه أهداف وليلى سويف (أم منى) امتداد من نوع آخر. منى سيف هى ابنة أحمد سيف الإسلام المحامى والحقوقى المناضل، الذى لم يسمع له صوتا إلا مدافعا عن الحق والحرية، والذى شاءت الأقدار أن يموت فى مستشفى عام، بينما يقبع اثنين من ابنائه (علاء وسناء) داخل السجون، وعندما مات مرضا وكمدا، تفضلت أجهزة الأمن بمنحهما بضع دقائق لتوديع الجثمان، فى مشهد ابكى قلوب الأحجار.
هذا بعض من قليل جدا مما عاشته وتعيشه منى سيف وباقى أسرة سيف وسويف حتى الآن، والذى ربما يبرر لأستاذنا دافع تلك الفتاة لكتابة رسالة بهذا المضمون.
إذا كان حال بعض الشباب فى بلادنا أنهم فقدوا البوصلة، واصبحت أفكارهم فوضوية وأغراضهم تخريبية، فما العمل يا سيدى؟ يا من تم اعتقالك بسبب أفكار وكتابات ربما وصفها من اعتقلوك بنفس أوصافك عما كتبته منى سيف، ما العمل وأنت من جيل عاش من ديكتاتورية إلى أخرى، بينما هناك ملايين الشباب يحلمون ألا يعيشوا يوما واحدا فى حكم مشابه؟ هل نعتقلهم جميعا فى حبس احتياطى يتجاوز ما ينص عليه الدستور كما هو حادث بالفعل لمئات إن لم يكن لآلاف من الشباب، ربما تصفهم بالفوضويين؟!
أم نتخلص منهم دفعة واحدة فى أفران الغاز؟ ما تصورك يا سيدى الصحفى المناضل المخضرم؟ وما هى خلاصة حكمتك التى تنقلها بأمانة حامل الكلمات لهؤلاء الشباب ولمن أوصلوهم إلى هذا الحال؟
نحن فى وضعية خطرة وصعبة على كل المستويات، قوى عظمى تتصارع من أجل فرض نفوذها وتأمين مصالحها حتى وإن كان على حساب ملايين العرب والمصريين، ففى أسوء الظروف سننشغل نحن فيما بيننا بحروب داخلية غبية، وستعيش إسرائيل فى آمان وديمقراطية.. وضع داخلى ضاغط اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا.. مازالت الملايين تناضل فيه من أجل عيش صعب المنال وحرية وكرامة باتتا ضربا من ضروب الخيال، كل ذلك فى حضرة خطر الإرهاب الذى يهدد الحياة قبل كل شىء.
ما العمل إذن؟ سؤال لابد أن يطرحه كل منا على نفسه، وفى مقدمتنا أولو الخبرة والحنكة.
وحتى تأتى الإجابة، لابد أن يعرف الأستاذ صلاح عيسى، أنه لم يعد مقبولا فرض الصمت بحجة التأييد الجمعى أو محاربة الإرهاب، فالتأييد الجمعى لابد من قياسه باستمرار لأنه يتغير، أما محاربة الإرهاب فتبدأ من الداخل شريطة أن تتوفر أرضية صلبة من التوافق الاجتماعى.
لم يعد مقبولا إلقاء الاتهامات التى تحول حياة الكثيرين إلى ظلام دامس لا أمل فى نهار من بعده، خاصة إذا كانت مجرد اتهامات أو اشتباه دون أدلة.
لم يعد مقبولا ربط المعارضة بالأخونة، فالنقد هو سبيلنا الوحيد فى التطور، بل إن المعارضة دائما ما كانت المعيار الحقيقى لقياس وسلامة الديمقراطية.
لم يعد مقبولا وصاية أحد على أحد.. لم يعد مقبولا سوى التعقل والحكمة كى ننجو جميعا ومعا قبل أن ينفلت العقد.