هالة الزغندي تكتب: هل خنت زوجك من قبل؟

ملحوظة من البداية كده:

استخدمت في هذا المقال صيغة المخاطب المؤنث لاعتبارات عدة.. أولها أن المرأة أكثر لوماً وتأنيبا لنفسها على هذا الفعل.. أما إذا وجدت نفسك -عزيزي الرجل- ممن يعتبرون أن الخيانة لا تختلف بين خائن وخائنة.. فأهلا بك قارئا للمقال.

لطالما تناولت الدراما الخيانة الزوجية في العديد من الأعمال، لكن \”بروكلين\” بالتأكيد فيلم مختلفا بكل المقاييس.

لن تكتشف أنه يتناول هذا الموضوع إلا في الربع الأخير من الفيلم, لن تشاهد سيلا من الاتهامات والمواجهاتِ الحادة أو المآسي الكبرى.. لقد اتبع صناع الفيلم الطريق الأصعب والأكثر عمقا على الإطلاق بنعومة وشاعرية شديدة, في التحليق داخل عقل وقلب البطلة التي انقسمت بين قرارين ومصيرين مختلفين تماما.

بروكلين يحكي عن تلك الفتاة/إليش التي لم تجد في وطنها آيرلندا بابا واحدا مفتوحا لتحقيق أي حلم من أحلامها, لا وظيفة مناسبة, لا فرصة لتعليم جيد, لا حب, لا زواج، فاضطرت إلى فراق الأهل والوطن لربما تنفتح الأبواب في وطن آخر.. في بروكلين.

وبالفعل يحدث ما كانت تأمله.. تعثر على وظيفة مناسبة, وفرصة جيدة للتعليم، والأهم أنها عثرت على الحب.

ربما لم تجد الوظيفة المثالية، فهي مازالت بائعة، لكن في محل أرقى.. تتعامل مع زبائن أفضل ورئيس يعاملها باحترام رغم أخطائها في البداية.

ربما لم تحصل على التعليم العالي الذي كانت ترجوه، لكنه درجة في طريق حتما ستكمله يوما ما.

ربما لم تعثر على الزوج المثالي, فارس الأحلام، لكنها عثرت بدلا منه على شاب إيطالي يعمل سبّاكا, يعيش بين أفراد أسرته المتواضعة, قصير القامة, غير شديد الثقة بنفسه، لكنه واثق كل الثقة في حبه لها.

وبعقد مقارنة بسيطة بين الحياتين ستكون النتيجة في صالح بروكلين بدون نقاش.. فالفارق بين بروكلين وآيرلندا كالفارق بين السماء والأرض.

لذا استقبلت كل هذا بسعادة، فتكيفت مع الوظيفة ونجحت في دراستها ورضت بالشاب الإيطالي حبيبا لها، وقد أحست أنها تبادله نفس مشاعره, لكن يبدو في عيني الشاب شك في صدق مشاعرها نحوه, ربما بداخلها شك في صدق مشاعرها أيضا، لكنها تتجاهله.

تتوفى أختها فجأة، فتضطر إلى العودة إلى وطنها الأصلي.. على وعد بالعودة إلى بروكلين.. إلى الحبيب الذي أصر على توثيق حبهما بالزواج قبل سفرها مباشرة.

وهناك.. في وطنها آيرلندا.. تنتظرها مفاجآت لم تكن أبدا في حسبانها.

لقد تفتحت كل الأبواب على مصراعيها.

الوظيفة التي تمنتها, الزوج المثالي وفارس الأحلام الذي طالما حلمت به.

الأهل والأصدقاء والجيران.. حتى البحر كان مختلفاً, في هدوئه وصفائه، والذي افتقدته بالتأكيد في بلاد الغربة.

إنه الحلم القديم يتحقق.. الآن.

تقاوم للحظات وتنجرف لأيام.

هل تخون العهد؟ أم تعود إلى بروكلين وتتخلى عن الفرصة التي وجدتها في وطنها؟!

من منا لم تمر بلحظة مشابهة؟ سواء مع الزوج، أو الحبيب، أو حتى معجب ولهان؟

إنها الحيرة.. إنها الفرص التي ربما إذا تركناها لن تتكرر.. وربما إذا تشبثنا بها أضاعت علينا فرصا أكبر؟!

مش جايز ييجي الأحسن منه؟! وجايز مايجيش خالص!

لماذا في اعتقادك تعددت حوادث الطلاق في عصرنا؟ ولماذا انتشرت الخيانة بين الجنسين؟!

اعتدنا في السابق أن يفترق الزوجان لأسباب قهرية.. بخيل.. بيضربني.. ابن أمه.. شاذ.. إلخ

أما الآن.. صارت الإجابة مختزلة في كلمة واحدة.. \”مابقتش أحبه\”.

لن أستهين بالكلمة، فالحب ليس بهدف تافه.

هذا إن كانت المقارنة بين حب، ولا حب.

ولكن ماذا إن كانت المقارنة بين حب.. وحب أفضل؟!!

هو في كده؟ الحب حب.. مفيش مقارنة!

لأ في.. لما يكون الحب فرصة للسعادة.. تبقى المقارنة بين فرصة.. وفرصة أفضل؟!!

حسناً.. فلنعد إلى عنوان مقالنا.. الخيانة.

من منا لم تشعر بالذنب والندم بسبب تلك المقارنة غير البسيطة، بل اسمحوا لي أن أصفها باللعينة، والتي تعقدها الكثيرات بين الزوج/الحبيب وبين شخص صادفته حديثاً؟

من منا لم تلعن الزمن الذي تأخر عليها بهذه الفرصة الكبرى التي تضمن لها السعادة الأبدية -في اعتقادها؟!

بل إننا قد نعقد تلك المقارنة لأكثر من مرة خلال حياتنا.

هل تعتبر المقارنة في حد ذاتها خيانة تستحق لوم النفس وتأنيبها؟!

لكن ما هي الخيانة أصلا؟

تعريف الخيانة في نظر البعض يقتصر على الزنا.. والبعض يرى اللمسة خيانة.. والبعض يعتقد مجرد التفكير في شخص آخر خيانة.

إذن لن نجيب على هذا السؤال، ولنفكر في الإجابة عن سؤال آخر.

هل تعتبر تلك المقارنة \”طبيعية\”؟!

فلنتعرف أولا أننا بشر.. من سماتنا الطمع.. الضعف.. حب المغامرة، وقصور حاد في البصر والبصيرة.

فلنقم بتعريف تلك المقارنة اللعينة، فلنقل أنها ربما ليست إلا وقفة على مفترق طرق يتيح لنا تجديد القرار أو الرجوع عنه.. هل تستحق حياتنا مع هذا الشخص أن تستمر.. أم نكتفي بهذا القدر؟

لن أحرق أحداث الفيلم، ولن أذكر ما قررته إليش.

ولنبقى مع مقارتنا اللعينة.

فلنهون على أنفسنا ولنعتبرها ليست إلا رحلة من الشك إلى اليقين.. جاءت في وقتها.. في مفترق طرق.. ربما في بداية اتخاذ القرار، فهو مفترق طرق على طول مشوار حياتنا بالتأكيد.. أو بعد إنجاب أول طفل والاحتكاك بصعوبات الحياة.. أو بعد مضي سنوات من الروتين الزوجي المميت.

رحلة من الشك إلى اليقين.

إما اليقين بأن الحياة صارت مستحيلة، وما الشخص الجديد إلا إنذار بفشل حتمي قادم لا محالة، وإما يقين بأن فرص العالم لن تكفي لتفرق بيني وبين من اختاره قلبي منذ البداية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top