أحمد ندا يكتب: على هامش قضية زينة وأحمد عز.. ما الذي تغير؟

كنتُ على أعتاب عالم جديد حينما سمعت الأصدقاء يتحدثون عن فيلم \”الكوتشينة\” البورنو الذي مثلته وردة مع عادل أدهم، يحكون عنه بيقين من شاهده مرارا وتكرارا بعبارات \”سامحوني يا شعب مصر دول مليون دولار\”، ويختلف الأصدقاء هل هم مليون دولار أو نصف مليون دولار أو ربع مليون دولار؟ أنا الوافد الجديد من عالم مغلق في السعودية، الجنس حبيس كتب الفقه أو تحرشات الزملاء الأكبر سنا بي ومن هم مثلي من \”الأجانب\”.. لسنوات ظللت أبحث عن الفيلم بدافع الفضول قبل أن أكتشف –ببساطة- أنها الإشاعة الأقدم والأكثر إحكاما وانتشارا في الشارع.

الآن أتذكر هذه الأسطورة وأضحك، الهوس المتعلق بها ليس أمرا متعلقا بصناعة البورنو في حد ذاتها، لكنه الرغبة في التلصص على حيوات الآخرين، المشهورين منهم على وجه التحديد، لابد أن هنالك حياة سرية كاملة لهؤلاء الذين يظهرون على الشاشات، أشعلها أكثر اعترافات اعتماد خورشيد، التي حولت معظم الممثلات إلى ماكينات جنس في الخيال الشعبي، حتى صارت مسامرات \”الحياة الجنسية لفلانة\” فقرة ثابتة في حواراتنا المراهقة في أولى سنين الجامعة.

موجات التوبة الجماعية منذ الثمانينيات عززت من خيالاتنا الإباحية حول الفن والفنانين، إنهن يقتربن من الله بعد حياة من المجون والانحلال الكامل، يعلن عن توبتهن أمام العالم لأن ما مررن به من معاصي لم يكن هينا، هكذا صار لدينا تصور معاكس عن هؤلاء الذين واللاتي تركن العمل الفني والوسط كله ابتغاء مرضاة الله.. صعدت صورة الفنان/ الفنانة الملتزمة سواء ابتعدت عن الوسط تماما، أو بقيت فيه بشروطها الشرعية.

………………….

عام 2004، كان أحمد الفيشاوي من هؤلاء \”الملتزمين\”، سمعنا الكثير عن قربه من نجم الدعوة –وقتها- عمرو خالد، يقدم برنامجا شبابيا دعويا مع السعودي \”أحمد الشقيري\” على قناة إم بي سي، كنا نحبه كثيرا في هذه المرحلة، الشاب الملتزم اللامع والناجح، النموذج المثالي للإسلام البرجوازي البروتستانتي كما قدمه عمرو خالد: من الممكن أن تكون قريبا من الله، وأنت ترتدي الجينز، ولا تطلق لحيتك، وتكون ناجحا في مجالك، وتعتبر كل ذلك عبادة وقربا من الله، أحببنا أحمد الفيشاوي على اعتبار أنه الشاب الحسن في منبت السوء، حتى وقت المفاجأة.

فتاة \”غير محجبة\” تدعى هند الحناوي تقول إنها متزوجة عرفيا من الفيشاوي، وأنها تحمل في بطنها ابنه أو ابنته، لم نصدق، مستحيل أن يكون هذا الشاب الخجول الملتزم مقدم البرنامج الديني، نموذجنا المثالي للإسلام العصري، يأتي بمثل هذا الفعل \”المشين\”، لابد أنها مدسوسة عليه لتحارب نجاحه والتزامه، كنا مملوئين بفكرة أن الإسلام يُحارب بكل نسخه في الدولة الظالم أهلها، الإشاعات حول تأثر علاء مبارك بدروس عمرو خالد ذات صوت عال، التضييق على عمرو خالد من أمن الدولة من الحقائق في اعتبارنا، إذن لابد أن ما يحدث مع أحمد الفيشاوي من السافرة هند الحناوي في سياق حربهم ضد \”إسلامنا\”.

الشيخ خالد الجندي يخرج ليقول إنه يعرف أحمد الفيشاوي جيدا ويعرف خلقه والتزامه ويستبعد أن يأتي بمثل هذا الفعل، الشيخ صفوت حجازي يقول إنه صديق مقرب لأحمد، وأحمد أرقى من هذه الدناءات.. إنها الحرب إذن، كرهنا هند الحناوي واعتبرناها \”شرموطة\” مدسوسة عليه، هذه ليست حربه وحده، هذه حرب الشباب الملتزم كلهم.

عامان مرا، وهند الحناوي تحارب في المحاكم، حتى وقت اختبارات الـDNA التي أثبتت نسب \”الطفلة\” لينا إلى أحمد، كان المشهد صادما، هند بالفعل لم تتجن على نموذجنا الملتزم، هو الذي تنكر لها ولابنته، لكن محبتنا لتصورنا عن الإسلام دفعنا إلى اختلاق الأعذار، لابد أن أهله الفاسدون أجبروه على ذلك، أحمد شاب ومعذور أمام بنت بلا أخلاق أغوته وتقربت منه، أكيد \”في إن في الموضوع ومسيرنا نعرفها\” ولم تتكسر صورته الملتزمة أمامنا، حتى كسرها هو بتحوله الحاد واضطراباته المزاجية والنفسية على الشاشة وخارجها لسنوات.

………………….

عشرة سنوات مرت على القضية وتفاصيلها، نحن لم نعد كما كنا، هناك شيء كبير جدا تغير في البلد، ببساطة قامت ثورة، تغير بعدها كل شيء.. اهتماماتنا أولوياتنا، نظرتنا للسياسة والسياسيين، موقفنا من العالم، وموقعنا منه، كل شيء تغير، ولم يعد ممكنا أن يعود كما كان، لكننا وصلنا إلى أعتى مراحل الفشل السياسي.. إسلاميون فعسكر، مجازر وشهداء بلا حقوق، الهزيمة ثقيلة، والآمال السياسية انخفضت من تغيير النظام إلى تمني خروج الأصدقاء من المعتقلات، الهجرة حلم يومي لمعظمنا.

لكن ما تغير في المجتمع أكبر من مسارنا السياسي الفاشل، عشر سنوات مرت على قضية أحمد الفيشاوي وهند الحناوي، وتقوضت معها أساطير عشنا معها لسنوات: عن حتمية الدولة وفوقيتها بعد أن خلعت \”الميري\” يوم 28 يناير، فكرة الوطنية التي اختزلت في أغان فاشلة وألوان العلم في بدلة رقاصة، كل الأفكار القديمة تحولت إلى نسخة مبتذلة كوميدية منها، أو مجرد \”بوست\” ساخر على فيسبوك أو تويتر، وعى المجتمع –لا نخبته فقط- أنه عاش على منتجات أوهام كاملة لم تعد صالحة إلا للسخرية.

اليوم تخوض زينة مع أحمد عز معركة مشابهة كثيرا لما خاضته هند الحناوي مع أحمد الفيشاوي، نفس التعنت والعناد من عز، والإصرار والاستمرار من زينة، ما الذي تغير؟ هذه المرة لم يتعاطف كثيرون مع عز، بل إن الشارع يقف في صف زينة وأحقيتها في إثبات نسب أولادها، عز يرفض إجراء اختبار الـDNA، رجل الشارع يقول: \”يبقى هو اللي عملها وعاوز يخلع\”.. المسافة كبيرة بين الحدثين، لا زمنيا، لكن في وعي المجتمع وانحيازه، التعاطف الشعبي الواسع مع زينة يقول الكثير، الثورة فشلت سياسيا نعم، لكنها في مسارها الأعمق والأكثر تأثيرا تستثمر أدواتها الجديدة، تهضمها، تفكك القديم الراسخ البالي.

\”أقسم بالله ما ولادي\”، التي أطلقها أحمد عز على تويتر، تحولت إلى ماكينة سخرية على مواقع التواصل، تحولت إلى \”مسخرة\” حرفيا.. التدوينة الطويلة التي كتبها على فيسبوك وزينها بآيات من القرآن وعبارات من كتب الفقه، تحولت إلى سكين من الهجوم الواسع عليه وعلى ألاعيبه.. هاجمه الجميع، شتموه، ذبحوا محاولاته المراوغة في استحضار صورة الشاب الملتزم المهذب الذي لا يأتي بمثل هذا الفعل.

………………….

عمرو خالد الداعية فائق الشهرة والتأثير في بدايات الألفية، تحول إلى خلفية المشهد، يطلق حملة جديدة بعنوان \”أخلاقنا\” منذ أيام تتحول إلى مادة خام جديدة للنكات والسخرية، انسى يا عمرو، مفرمة المجتمع وسيولته وضعتك تحت أقدامها.

كلما سيطر علي اكتئاب الهزيمة والوضع السياسي المتردي، أعود إلى ذكرياتي القديمة، أول أيامي في الجامعة، شجاراتي مع أصدقاء وزملاء حول محمد حسين يعقوب ومحمد حسان، الفقرة أو الفقرتان الدينيتان الثابتتان في كل القنوات الخاصة والحكومية أوقات الذورة، أين كل هذا الآن؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top