سعيد عز الدين نصر يكتب: الطريق لتحرير الشرطة المصرية

ستيفن، صبي يبلغ من العمر 11 عاما، كان محور اجتماع دراسة حالة من ضمن حالات السلوكيات المعادية للمجتمع (Anti-Social Behavior). شوهد الصبي أكثر من مرة يجول في الشوارع حتى وقت متأخر من الليل مع مجموعة من الشباب الذكور في منتصف أو أواخر سنوات المراهقة.

بدأت كيت (رقيب الشرطة) قراءة حالة الإحالة لبقية الممارسين حول الطاولة، موضحة أن ستيفن كان مقيدا في سجل حماية الطفل لعدة سنوات، وكان قد تم إلحاقه بالفعل في برنامج الوقاية والردع الخاص بالشرطة، والذي يعتمد على حزم من التدخلات التي تساعد على توجيه الطفل أو الشاب بعيدا عن الجريمة.. ستيفن كان يتلقى الكثير من المساعدة في المدرسة، لكنه كان يتغيب بانتظام.

كان أيضا العامل الاجتماعي يشكل جانبا مهما من ملف الإحالة بغرض حماية الطفل، وقالت كيت إن العنف المنزلي ثبت عليه في المنزل، بما في ذلك الاعتداء على الوالدين فى العديد من المناسبات، وشمل التقرير أيضا الإشارة إلى معاناة أم ستيفن لحالات من \”السلوك المذعور للغاية\”، حيث كانت قد تقدمت كثيرا للشرطة  بشكاوى من الجيران والتي كانت تزعم فيها ​​مضايقتهم لها.

وفقا لكل تحقيقات الشرطة، كانت كل هذه البلاغات كاذبة. استمرت المجموعة في تشريح شخصية الأم، ويقال إنها كانت تعاني من الاكتئاب لعدة أشهر، ونادرا ما كانت تترك المنزل وكثيرا ما كان يختلط عليها الأمر حول تفاصيل أساسية عندما جاءت الشرطة للحديث معها. زوجها تركها، في وقت سابق منذ ما يقرب من ثمانية أشهر، مما أدى بالممارسين حول الطاولة إلى التساؤل عما إذا كانت كل هذه الأحداث قد لعبت دورا في الشواغل التي أثيرت حول ستيفن، وهكذا استمر الجميع في تشخيص سلوك الأم.

بليندا (متخصصة في الصحة النفسية): \”تبدو كحالة فصام بالنسبة لي\”

(قوبل هذا التشخيص بالإيماءات بالموافقة من الممارسين حول المائدة).

هايلي (ضابط  من فريق التصدي للإساءة للشباب): (تعمل تلك الفرق مع الشباب لمحاولة مساعدتهم على البقاء بعيدا عن الجريمة)

\”من الصعب معرفة ما إذا كانت تلك السلوكيات يمكن تصنيفها كسلوكيات معادية للمجتمع، أو كما يبدو لنا جميعا مصدرها قد تكون بعض المشاكل المتعلقة بالصحة العقلية\”.

فيكي (رقيب شرطة): اتفق مع هايلي، بأن الأم قد تحتاج لبعض الدعم النفسي.

ثم سألت عما إذا  كان لدى ستيفن أي اهتمامات ترفيهية أو رياضية، فأجاب بريان، مأمور الحي الذي كان يقيم به ستيفن، بأن الصبي كان عاشقا لموسيقى الهيب هوب ورقص الشوارع، فأعربت فيكي عن سرورها وعرضت على الفور على الشرطة دفع الرسوم اللازمة لإلحاق ستيفن ببرنامج دروس تناسب اهتماماته في أحد مراكز المجتمع المحلي. وختمت: \”إننا تقريبا قد اتفقنا أن ستيفن هو الضحية في كل ما سبق. وسيكون لطيفا ابتعاده عن أمه لفترة من الوقت، فعلى ما يبدو سلوكه قد تأثر بشدة بها الفترة السابقة مما يشكل خطرا عليه في المستقبل\”….. (مقتطفات من أوراق قضية ستيفن)

حالة ستيفن هي نموذج تقليدي جدا من اجتماعات دراسات الحالة، فبدلا من النظر إلى الخطوات الفورية لمعاقبة المخطئين لتورطهم في أي سلوك معادي للمجتمع (ASB)، يصل الجميع لفلسفة مشتركة من وراء تلك الاجتماعات والتدخلات اللاحقة بغرض تشخيص أسباب السلوك من خلال حضور مجموعة من المهنيين بدءا من ضباط الشرطة للأخصائيين الاجتماعيين والعاملين في مجال الصحة العقلية، ليضعوا على طاولة الحوار كل ما يتمتعوا به من الخبرة والمعرفة والتدريب.. هذه الممارسات متعددة الأطراف تبني أسلوبا أمثل لحل المشكلات يسمو عن مجرد التركيز على عرض القضايا على أنها ناجمة عن التصرف \”المعادي\” أو \”الإجرامي\”، وتوضح بدقة أسباب هذا التصرف أو السلوك وتضع في حيز التنفيذ سلسلة من التدخلات الداعمة، أو تجمع بين الدعم وبعض العقوبات الرسمية أو غير الرسمية في حالات السلوك المعادي للمجتمع ASB الأكثر خطورة.

هذا الموضوع اقتبسته لحضراتكم من بحث بعنوان (الشرطة الناعمة والتحكم التعاوني في السلوك المعادي للمجتمع) من سلسلة منع الجريمة وإدارة الأمن بالولايات المتحدة، ويتضح فيه ببساطة الدور الحقيقي للشرطة في إصلاح المجتمع قبل عقابه.. ابحثوا في سلوك شادي حسين وأحمد مالك.. اجلبوا خبراء في علم السلوك والاجتماع وعلم النفس لمائدة حوار بناء للوقوف على معاناة هؤلاء الشباب وغيرهم ممن تعرضوا لقهر وظلم من شرطة لم تلعب سوى أدوارا قمعية ضد كل معارض سياسي ومجرم جنائي أو حتى أي متهم محتمل، بل إن سلوكيات أفراد هذا الجهاز في مصر أصبحت مضرب الأمثال في مخالفة القانون والتدليس!

أيها السادة ما نحتاجه في مصر عقيدة شرطية جديدة يتبعها تأصيل لمنهج حقيقي، الغرض منه الإصلاح بدلا من العقاب والانتقام والفساد.. لابد قبل كل ذلك من تفهم الدولة وعلى رأسها رئيس الجمهورية أن 25 يناير بالأساس ثورة شعبية قامت بهدف تصحيح مسار الأجهزة الأمنية وتحريرها من قيود السياسة والسلطة، بالعلم والفكر السليم، لا لتعيدها بروح كراهية وتشفي وانتقام للتعامل مع المواطنين بوجه أقبح مما كان.. استقيموا يرحمكم الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top