اعلم أن وصول هذا المقال لمن أخاطبه، أشبه بحلم وصول منتخبنا الوطني لكرة القدم لمسابقة كأس العالم، لكن ليس هنا مستحيل في دولة الثوار، لذلك نحن نفعل ما تمليه علينا ضمائرنا، ثم ننتظر النتائج التي قلما ما تكون إيجابية.
مقصدي هنا هو ذاك الموظف القابع في قصر الاتحادية على كرسي رئاسة الجمهورية.
دعني أصطحبك في رحلة زمنية نبدأها منذ يوم الثالث من يوليو 2013، وحاول أن تمحي من ذاكرتك للحظات قليلة ما حدث، واطلق لي عنان الخيال، تخيل معي أنك بعد بيان 3 يوليو وإلقائك لقرار عزل مرسي، وتلك الفرحة العارمة التي اجتاحت البلاد، تخيل لو كنت أوكلت إدارة البلاد لمدة عامين لمجموعة من الأشخاص، وليكن عددهم خمسة أفراد، أحدهم قاض عادل، والثاني ضابط شريف، والثالث دبلوماسي مجتهد، والرابع عالِم تمجده الشعوب والدول، والأخير شاب من وسط الثوار.. يقومون خلال تلك المدة بإعداد الدستور وانتخاب البرلمان، تخيل معي لو كانت تلك المجموعة شكلت حكومة جديدة، يديرها الخبرات، وينوب عنهم شباب، كي تساعد على تكوين درع شبابي قادر على تحمل المسئولية في وقت قريب، تخيل معي لو كنت تنحيت عن منصبك بوزارة الدفاع يوم الرابع من يوليو 2013، تمهيدا للترشح لمنصب الرئاسة بعد عامين من ذلك الوقت.. تخيل معي لو كنت تركت الإخوان في اعتصامهم دون قتلهم، تخيل معي لو كنت اكتفيت بإبعادهم هم وفلول مبارك عن المشاركة في العمل السياسي لمدة 10 سنوات.. تخيل معي لو كنت تركت ضباطنا الأبطال في ثكناتهم، بدلا من جعلهم لقمة سائغة في فم الإرهاب على الحدود، وشعلة لنار الفتنة والكراهية في الجامعات والشوارع.. تخيل معي لو كنت تركت الشباب يمارسون حريتهم في التعبير عن آرائهم بدلا من ملأ السجون بهم.. تخيل معي لو كنت عاقبت الفاسدين في جهاز الداخلية، بدلا من تشجيعهم على الانتقام من الشعب الذي أطاح بهم في الثامن والعشرين من يناير 2011، تخيل معي لو كنت أتحت المجال للعلماء المصريين المقيمين بالخارج للعودة إلى مصر وتوفير كافة سبل البحث العلمي لهم هنا، بدلا من قيامك بتشويههم وتخوينهم ليلا نهارا على لسان إعلامييك.. تخيل معي كل هذا، ثم اترك آلتي الزمنية الخيالية، وعٌد إلى الحقيقة المرة التي صنعتها بيدك.
أتعلم؟!
أتعلم أن الشعب يتمنى العودة للخلف مائة عام؟! أتعلم أننا كمواطنين في هذا البلد في عهد حكمك، صرنا نحقد على أولئك الذين عاشوا على نفس الأرض في الماضي البعيد؟! العودة للماضي صارت أفضل في أعيننا من الاستمرار في تلك المهزلة!
أتعلم أن شعبيتك صارت أقل مما كانت عليه من قبل؟! أتعلم أننا إذا عقدنا مقارنة بينك وبين المعزول محمد مرسي، سنجدك متمتعا بدعم الجيش والشرطة والقضاء ورجال الأعمال والإعلام، وبرغم ذلك فشلت! وفي وقت سابق كل تلك المؤسسات كانت تعتبر مرسي وجماعته أعداء، ولم يحظ بدعمهم أو بالتأييد الشعبي الضخم الذي تمتعت به أنت حتى وقت قريب؟! أتعلم أنك الخاسر في هذا النوع من المقارنات؟! أتعلم أننا لم ندع أو نشارك في تظاهرات يوم الخامس والعشرين من يناير الجاري، ومع ذلك أنت مستمر في إجهاد القوات المسلحة بحراسة الميادين والمنشآت؟! أتعلم أننا كشباب ثورة، لن نحرك ساكنا تجاهك، رغم ظلمك لنا، وسنترك الكلمة لرجل الشارع الفقير، وسنتحرك خلفه عندما يشاء أن يخرج عن صبره؟!
ذكرت في مقدمة كتابي \”ثورة محظورة النشر\”، والذي صدر مؤخرا موثقا لأحداث ثورة يناير المجيدة، ذكرت أنني كنت اتابع احتجاجات مدينة المحلة في السادس من أبريل عام 2008، وكأنهم كائنات فضائية هبطت علينا من كوكب آخر، وبعد مرور السنين، صرت مثلهم ثائرا، وهكذا سيكون غيري وغيري نتيجة لسياسات البطش.. استمر في طريقك، فأنت تجيد فيه، وهنيئا لك الكرسي المؤقت، وهنيئا لنا ضمائرنا التي تخجل جدران سجونك منها.