سأستيقظ مبكرًا كالعادة، سأتناول إفطارا خفيفًا كالعادة، سأستقل المترو إلى وسط البلد كالعادة، سأترجَّل في محطة التحرير (أرجو ألا تكون مغلقة) كالعادة، سأمشي قليلا حتى أصل إلى مكتبي كالعادة، ربما سأبتاع طعاما خفيفا أثناء سيري لأتم إفطاري كالعادة، وسأبقى في مقر عملي طول النهار كالعادة، وسأنزل لأعود إلى البيت في آخر النهار كالعادة، وقد أمرّ على مكتبة أو اثنتين قبل أن أعود إلى منزلي كالعادة.
هذا ما سأفعله يوم 25 يناير القادم.
يروِّج مؤيِّدو السيسي والدولة أكاذيب كثيرة تتعلَّق بذلك اليوم، يكذبون ويقولون إن حركات ثورية بغيضة مليئة بالحقد تتوعَّد الجميع بالنزول إلى الشارع، يصرُّ مؤيِّدو السيسي على أن الأشرار ينوون هدم الدولة في ذلك اليوم، ويغنِّي معهم – على استحياء – ثوار قدامى، نسوا الثورة ويتمرَّغون الآن في حب الدولة والنظام والرئيس، ويطبِّل للجميع الإعلام بكل حماسة، وتؤيِّد الشرطة القول بالفعل، فيقتحمون الشقق في وسط البلد لتفتيشها، ويعتقلون من يحاول تصوير أي شيء في الشارع وإن كان شجرة.
مؤيِّدو السيسي يدافعون عن نصرهم المعنوي الوحيد؛ وصول السيسي إلى كرسي الحكم، ويصمتون تمامًا عن كل شيء سيئ يحدث، لا يعترضون على ما يحدث في البرلمان، يشاركون الإعلام التنكيل بهشام جنينة، يؤيدون اعتقال صلاح دياب من دون أدنى تفكير في سبب القبض عليه، لا يزالون يتَّهمون الجميع بالخيانة والعمالة، ويردِّدون أن حكم الإخوان كان أسوأ ما حدث في مصر على مر الزمان.
انتشر توقُّع خلال الأيام الماضية، يظن بعض الأصدقاء أن الانفجار القادم سيقوم به مؤيِّدو السيسي، ذلك لأنهم لم يربحوا شيئا خلال السنتين الماضيتين، بل خسروا الكثير، خسائر مادية بالأساس، عقود تُلغى وشركات أصبحت في طور الانهيار. الأصدقاء واهمون، يظنون أن هناك من يستطيع حقًا دفع الناس إلى النزول في الشارع اعتراضًا على ما يحدث في مصر الآن، يظنون أيضا أن شعبية السيسي تتراجع، وأن مؤيِّديه أصبحوا أكثر معارضيه شراسة. والحقيقة أن مؤيِّدي السيسي على استعداد لخسارة كل شيء، فقط كي يحافظوا على نصرهم المعنوي الوحيد.
على الجانب الآخر ستشتد قبضة الشرطة الحديدية، وسيزداد ضغطها إلى الأبد، لن يتوقَّف الاعتقال والاختطاف، لن يتوقَّف ما يحدث في السجون ويتسرَّب إلينا في أحوال نادرة، لن يتوقَّف أي شيء، الدولة القمعية تنتصر بهدوء وثقة.
الشرطة تقول لنا إن هذا اليوم يوم حزين في تاريخنا، ولأنه كذلك فسوف \”نكدِّركم\” جميعا، من أيد الثورة ومن عارضها، حتى تبقى ذكرى هذا اليوم سوداء، وليفكِّر أي إنسان مائة مرة قبل أن ينزل الشارع معترضا، ويواجه الداخلية المصرية، الشرطة تقول لنا إننا لسنا خائفين، لقد كنا كذلك بالفعل في الذكرى الثانية للثورة.. عذرًا: النكسة، لكن اليوم نحن من نخيفكم بالاعتقالات العشوائية وتفتيش الحقائب والنظر إلى محتويات هواتفكم، نحن سنسبب لكم الرعب قبل ذكرى النكسة، وسنفعل ذلك في كل عام. الشرطة تحكم اليوم كما يحكم أي طاغية: بالخوف.
والحقيقة أن اللوم الآن لا يقع على الدولة وحدها، فأي حاكم قد يتحوَّل إلى طاغية إن لم يحاسبه أحد.
لكن اللوم الأساسي يقع على المطبِّلين بلا حدود، هؤلاء الذين يهلِّلون لأي حدث وكأنه بداية طريق الخلاص من التخلُّف. يقع اللوم أيضا على النخبة المصرية التي عارضت بشراسة حكم الإخوان، وأعلنت بجرأة أن الحكم الديني ضد الحداثة، لكنها تراجعت اليوم عن كل اعتراض وإن كان ضئيلا، وكأنها تعلن أن ما يحدث الآن هو الحداثة بعينها. يقع اللوم كذلك على العقلاء، الذين يردِّدون في كل وقت وحين أن الصمت خير فعل في أيامنا هذه، ويعلنون في كل محفل أن المؤامرة على مصر في أوجها، الكل يتآمر، الكل يحاربنا.
يوم 25 يناير القادم سيكون يوما صحراويا بامتياز، سوف تخلو شوارع القاهرة من كل إنسان، تمهيدا لكي يصير هذا المشهد مرافقا لذكرى ذلك اليوم البعيد في كل عام قادم، وهذا هو نصر الدولة النهائي والحاسم على ذكرى ثورة يناير 2011.