النيل هاديء تماما وصالح لوجود العشاق، هكذا تحكي الكاميرات الخاصة بالتليفزيون المصري الرسمي في الخامس والعشرين من يناير سنة ٢٠١١، لكن الذي لفت نظري.. أين ذهب العشاق؟ لماذا يتركون هذا النيل الحكيم ولا يجلسون كما اعتادوا على كورنيشه، يحلمون بشقة وفراش آمن؟ ويأتي الهدير والدخان من ميدان التحرير.. لقد ذهب كل العشاق إلى هناك، بعد أن بدد حسني مبارك ورجاله وعصره أحلامهم بالكامل.
مرض العشاق وفاتهم قطار العشق، وصاروا شحاذين في بلد يحكمها فاسد.. تحطم حلم كل فتاة محترمة في رجل من عمرها.. خرج إلى الميدان كل صاحب وصاحبة حق إنساني في حياة كريمة.. امتص مصاصو الدماء دماءهم، وكان في مقدمة الصفوف الشباب الأصغر سنا، الذين رأوا الكابوس سريعا.. رأوا الهم على وجوه النساء الأربعينيات، والرجال الأربعينيين، فلم ينتظروا الإذن من أحد.
كان يوما شريفا مجردا بالفعل.
اتذكره وأنا اعلم أنه لن يتكرر.
واعلم أنه ليس سمة ميدان ينتظر شهداء جدد، ولا اريد، لكنني اتذكر بفخر وسعادة وحب.
كان الصدق والسلمية هما تاج الشباب وصولجانه.
أما الخبثاء، فهم أولئك الذين همسوا في أذن العجوز الحاكم بكلمة السر.. (التاريخ)
التاريخ.. الكلمة التي أراد أن يضحك بها مبارك على الشعب، ويحيل المشكلة برمتها إلى معنى غامض وشماعة وهمية، يكتبه هو وحاشيته كما يحلو لهم
ونسى مبارك أنه يكتب بالفعل، لكنه أبدا لن يكون ذلك الكتاب الذي يسطره الصحفيون الكذبة، والإعلاميون الفاسدون الممولون بمال حرام، لكنه تاريخ يكتبه الشهداء بدمائهم والفقراء بفقرهم والمحرومون بحرمانهم والحالمون بأحلامهم المجهضة.
تاريخ لا يحمله كتاب بغلاف مقوى وفخم يوضع في معرض الكتاب ويحمل صورة السيد الرئيس فيبتسم بسماجة حينما تقع عينه عليه بعد قَص الشريط وسط حشد من المنافقين، لكنه تاريخ تحمله سماء البلاد كل صباح ومساء على أكتاف الشهداء، فينظر المواطن بشرف إلى أعلى فيعرف أنها بلاده.