صموئيل أنصر ملاك يكتب: طريق إلى مبارك

في (المطارد) الحكاية الرابعة من ملحمة الحرافيش الرائعة لكاتبها نجيب محفوظ، أتُهم (سماحة) بطل الحكاية بجريمة قتل، ولينجو من حبل المشنقة كان لابد أن يهرب لمدة 15 سنة على الأقل ليبطل الحكم، وفي اليوم الأخير من العام الأخير من هروبه، قتل سماحة مرة أخرى، واصبح عليه أن يهرب 15 سنة أخرى.

وهذا ما يحاول المصريون أن يفعلوه الآن.. الهرب من القتل الثاني، فالقتلة الأولى كانت عندما قتل الشعب نفسه ورضى بالفساد واعتاده في العقود الماضية، وظل هاربا من نفسه ومن ضميرة بالتغييب، إلى أن وصل الحكم إلى الرئيس السيسي، وبعد كل ذالك الهروب والسكوت على الفساد ها هو الشعب يقتل نفسه من جديد، ويقع في حب الرئيس ويهيم به، ويرضى بكل ما يحدث منه أو برعايته وتحت إشرافه، فكما كان مبارك هو حامي البلاد وصاحب الضربة الجوية الأولى، ومن أعاد إلينا طابا الحبيبة، الآن السيسي هو من خلصنا من الإخوان، واللي هيخلي مصر قد الدنيا، ويجب أن ندفع فاتورة أعماله البطولية طوال العمر، ونظل نذكر الإنجازات فقط، كما الحال أيام مبارك، وإلا البلد مش هتستقر والعجلة مش هتدور.. ومن هنا تبدأ رحلة البحث عن مبارك.

وفي طريقك إلى مبارك ستجد البرلمان المصري المحترم الذي أخّر رئيسه موعد انعقاد أول جلسة عمل له، لأنه كان يهاتف الرئيس ليأخذ البركة، البرلمان الذي قدم أحد أعضائة استقالته بعد جلستين فقط من انعقاده وهو النائب(كمال حامد) اقدم عضو برلماني، اعتراضا من على نظام وتنظيم الجلسات وقرار رئيس المجلس الديمقراطي جدا عندما أخذ أراء النواب في قطع البث ثم اقرّه بعدما رفضته الأغلبية! ثم يستخدم رئيس البرلمان فزّاعة المسؤولية التاريخية التي على عاتقه، وهي مناقشة القوانين التي صدرت في غياب البرلمان، ثم إقرارها أو تعديلها، لكنه لضيق الوقت اكتفى بإقرار القوانين دون مناقشة حقيقية، لدرجة أن المجلس انتهى من النظر في 248 قانون مرة واحدة! هذا طبعا برلمان رئيس النواب، وليس برلمان النواب والشعب.

ثم تأتي أزمة الفساد الحالية، وما يحدث بين جنينة ولجنة تقصي الحقائق، فبغض النظر عن أن كل ما يحدث الآن هو مجرد طلقات صوت، فلا جنينة قدم ما يثبت كلامه، ولا اللجنة قدمت، لكن ما هو واضح جدا، هو حملة التشويه لجنينة، فهو الآن مُضلل يقول الأكاذيب حتى بدون أن تُعلن الحقيقة.. اللجنة تقول إن جنينة مُضلل ولا سند على تصريحاته، دون أن يقدموا هم أنفسهم السند على كلامهم!

بالتأكيد هذه الحملة مُقدمة لعزل جنينة طبقا للقرار بقانون رقم 89 لسنة 2015 والذي أصدره الرئيس السيسي في يوليو الماضي، ويجيز له عزل رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم، وبغض النظر عن خطورة قانون مثل هذا، فهذه رسالة واضحة جدا لكل من يفكر في الحديث عن الفساد.. احذر الرئيس حيعزلك!

ثم يأتي التضليل والضحك على العقول، فعندما يعلن الدكتور حسام مغازي وزير الري اكتشاف فنكوش جديد وهو مصدر جديد للمياه الجوفية في مصر يُعرف بالخزان الجوفي النوبي، وأن مياهه ستكفي مصر لمدة 100، والخزان أصلا تم اكتشافه في أيام الرئيس عبد الناصر أثناء التخطيط لاستصلاح الصحراء، أي لا يوجد أي اكتشاف، بل هو كذب وتضليل لا أكثر، ناهيك عن أنه لن يكفي مصر لمدة 100 أو غيره -كما قالت رئيس قطاع المياه الجوفية في وزارة الري من 5 سنين تقريبا- لكن توقيت إعلان هذا الاكتشاف -المكتشف من قبل أصلا- يُمهد لنا الطريق لتقبل كارثية أزمة النيل، فهو يقول لك: هناك بديل يكفينا مائة عام، حتى لا تنزعج عندما لا تري النيل غدا، فتنام وتستريح وتنسى النيل وتشرب من الفنكوش اليوم التالي.

إذن.. نحن أمام شعب يحب الرئيس ويضعه موضع الأب الذي لا يناقش، وبرلمان عامل نفسه برلمان، يتقرب من السلطة بدلا من محاسبتها، وحكومة فاسدة هزيلة لا تقدر حتى الآن على اثبات عدم فسادها، ووزير شغله الشاغل الضحك على العقول، وليس المصلحة، وآخر يفضل الحديث عن الميكروفون لا الأزمة، وتخوين لكل من هو معارض أو يقول الحقيقة، وإعلام داعم مُساند، واقتصاد متدهور، وفشل تام في التعامل مع الأزمات، وحياة سياسية تستمد ديمقراطيتها من الخارج، ثُم تُعمدها في مياه السُلطه، فلنحسب سويا باقي كام من السنين لنرى مبارك يُبعث من جديد، هذا بالرغم من كل ما حدث وما رآه الشعب من مبارك، لكنهم يصنعون واحدا آخر الآن، وكأن شيئا لم يكن.

جربنا الفساد والظلم، ماذا لو نستمع للماغوط ونجرب الحرية مرة.. أيها العرب استحلفكم بما تبقى من هذه الأمة من طفولة وحب وصداقة وأشجار وطيور وسخب وأنهار وفراشات، استحلفكم بتحية أعلامها عند الصباح وإطراقة جبينها عند المساء، لقد جربتم الإرهاب سنينا وقرونا طويلة، وها أنتم ترون أين أودى بشعوبكم.

جربوا الحرية يوما واحدا لتروا كم هي شعوبكم كبيرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top