محمد غنيمي يكتب: الطريق إلى أمريكا اللاتينية.. كيف تحولنا إلى جمهورية موز؟

في فيلم \”تخيل الأرجنتين\” أو Imagining Argentina تخرج \”سيسيليا رويدا\” الناشطة الحقوقية والصحفية من منزلها، يتم اختطافها ولا تعود.

يذهب زوجها طوال أحداث الفيلم في رحلة للبحث عنها، يجد الكثير من المختطفين أو المختفين قسريا، لكنه لا يعثر على زوجته التي اختطفتها جهة أمنية غير معلومة.

الفيلم تدور أحداثه في الأرجنتين إبان فترة حكم الديكتاتور الأرجنتيني السابق خورخي فيديلا، الذي أتى إلى الحكم بانقلاب عسكري، وقتل وشرد واعتقل أكثر من 30000 من المعارضين له، من ضمنهم آلاف من المختفين قسريا، منهم أكثر من 500 طفل، والكثير منهم لم يعرف مصيرهم حتى الآن.

خورخي فيديلا ينتهي حكمه بثورة شعبية أطاحت به بعد خمس سنوات قضاها في الحكم، كان نظامه طوال هذه السنوات ينفي أي صلة له بالمختفين قسريا ويؤكد أنهم هربوا إلى الدول المجاورة.

يترك فيديلا الحكم عام 1981 وقد غرقت الأرجنتين في ديون خارجية تقدر بـ45 مليار دولار، ودين داخلي يتجاوز الـ 160 مليار دولار جراء السياسات الاقتصادية الخاطئة المتعنتة التي أقرها النظام العسكري لفيديلا.

كل من عارض هذه السياسات الاقتصادية كان يتهم بالعمالة للأنظمة الشيوعية وبالخيانة والتآمر على الأمن القومي، ومهما كانت مكانته وخبرته الاقتصادية.. الكل كان مصيرهم إما الاعتقال أو القتل أو الاختفاء، بل إن هذا كان حتى مصير كل من لم يؤيد انقلاب فيديلا علانية.

في صباح الجمعه 17 مايو، يتوفي خورخي فيديلا في السجن ببيونيس آيرس عن عمر يناهز 87 عاما، أثناء قضائه فترة الحكم بالسجن مدى الحياه جراء الجرائم التي اقترفها نظامه.

………………..

في فيلم مفقود أو Missing   رائعة كوستا جافراس، يختفي الصحفي الأمريكي شارلز هارمون في تشيلي أثناء تغطيته أحداث الانقلاب العسكري الذي قام به الديكتاتور العسكري اوغستو بينوشيه على الرئيس المنتخب سيلفادور اللندي عام 1973.

الفيلم المبني على أحداث حقيقية يروي قصة اختفاء شارلز هارمون، وهو واحد من ضمن 1200 صحفي وناشط سياسي ومعارضين لنظام بينوشيه اختفوا طوال فترة حكمه التي امتدت 17 عاما من 1973 إلى 1990 هذا غير عشرات الآلاف من القتلى والمعتقلين.

في 1980 أُقر دستورا جديدا للبلاد، ينص على استفتاء لمرشح واحد للسلطة، وفي 1988 حاول تعديل الدستور الجديد الذي أقره، بما يتيح له الحكم مدى الحياه، لكن البلاد التي كانت تفور بالكراهية لنظام بينوشيه، والضغوط الدولية المتزايدة، أدت إلى رفض البرلمان هذه التعديلات, وفضل بينوشيه  الذي كان لا يزال محتفظا بنفوذه الكبير سياسيا وعسكريا  أن يتنازل عن رئاسة البلاد لباتريشيو اليون الرئيس المنتخب ديموقراطيا عام 1989، وذلك في العام 1990، لكنه حافظ على منصبه كقائد للجيش حتى 1998،وتبوأ بعدها  مقعدا في مجلس الشيوخ طبقا للدستور الذي أقره في1980.

وفي 2002 تم اعتقال بينوشيه في لندن بناء على حكم قضائي ضده يدين جرائم الاختفاء القسري التي حدثت في عهده أمام محكمة إسبانية، لكن تم الإفراج عنه لأسباب صحية، وعندما عاد إلى تشيلي، كان قد فقد مقعده كسيناتور، فمثل أمام المحكمة في 2004 في تهم تتعلق بحقوق الإنسان، لكنه رحل أثناء محاكمته في 2006.

في جنازة بينوشيه كان المواطنون يبصقون حرفيا على نعشه، وتعتبر أكبر الجنازات إهانة لرئيس سابق في التاريخ.

………………..

في مساء 1 يونيو 2015، خرجت فتاة بصحبة صديقيها للعشاء، توقفت سيارة بجوارهم، قامت بتكميم الفتاة والصديقين واختطفتهم إلى مكان غير معلوم.

هذا لم يحدث في تشيلي أو الأرجنتين أو أي دولة من دول أمريكا اللاتينية.. هذا حدث في كورنيش المعادي والفتاة المختفية هي إسراء الطويل.

إسراء لم تكن الحادثة الأولى للاختفاء القسري في مصر.. إسراء واحدة من ضمن قائمه تجاوزت الـ 190 اسما طبقا لإحصائيات المركز القومي لحقوق الإنسان اختفوا طوال عامي 2014 و 2015.

هذه القائمة أصر النظام عبر مخبريه الإعلاميين طوال تلك الفترة أنه لا يعلم عنهم شيئا، وأنهم هربوا إلى داعش، بل وجاءت بعض التصريحات مثل تصريح اللواء أبو بكر عبد الكريم مساعد وزير الداخلية إلى أن هؤلاء المختفين قد هربوا إلى أوروبا في هجرة غير شرعية عبر البحر، ولقوا حتفهم غرقا، وبعدها بعدة أيام يصرح نفس اللواء بأماكن تواجد 121 حالة داخل السجون والمعتقلات.. التصريحات الأخيره لم تكن لتحدث لولا ضغط الأهالي والجمعيات الحقوقية.

………………..

في تويتة له في 25 ديسمبر الماضي يقول الدكتور محمد البرادعي: \”فى القانون الدولي يمكن لمجلس الأمن الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية في حالة ارتكاب جريمة اختفاء قسري، حتى وإن لم تكن الدولة طرفا في المحكمة\”، وأضاف محمد البرادعي: \”الاختفاء القسرى طبقا للمادة ٢ من الاتفاقية الدولية، هو الحرمان من الحرية بدعم من الدولة أو بموافقتها، ويعقبه إخفاء مصير الشخص أو مكان وجوده\”

وفي تويتة سابقة له في 2012 قال البرادعي: \”هناك دول مستقلة وهناك جمهوريات موز\”.. يبدو أن البوب كان كعادته يمتلك البصيرة ليرى نهاية الطريق الذي نسير فيه.

………………..

في فيلم bananas   لوودي آلان يقف الصحفيون والإعلاميون خارج القصر الرئاسي لديكتاتورعسكري في إحدى دول أمريكا اللاتينية، في انتظار خروجه ليغطوا حادثة اغتياله التي ستحدث بعد قليل, يسأل أحد الصحفيين الديكتاتور فور خروجه من القصر: ما هي آخر تصريحاته قبل اغتياله؟ فيعلق الرئيس على الطقس.. الجميع يرى أن نهاية الديكتاتور آتية لا ريب فيها، إلا هو.. يقف وحيدا يتلقى الرصاصات ويتحدث عن الطقس.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top