كنت ولازلت أحد هؤلاء الكارهون لحكم الجماعات الدينية التي تستمد ديكتاتورية حكمها من النصوص الدينية، وكنت ولازلت، أحد المرعوبين والمذعورين من الحياة تحت وطأة حكم ديني، لا يكفل حريات المواطنين على أساس المساواة مهما اختلفت أصولهم الدينية أو العرقية.
لن بعد سقوط حكم جماعة الإخوان، وبعد أعوام من هذا السقوط، تطل برأسها علينا الكثير من الظواهر والأحداث التي تخوفنا منها من قبل، منها على سبيل المثال وليس الحصر، تدخل رجال الدين في الشئون السياسية، مما يجعلنا نخبط رؤوسنا في محاولة للتذكر، أليس خوفنا من استمرار حكم جماعة الإخوان، كان سببه الرئيسي، هو عدم خلط الدين بالسياسة ؟
فمثلا ومع اقتراب الذكرى الخامسة للثورة المغتالة، 25 يناير، امتلأت صفحات الجرائد والمواقع الإخبارية، بفتاوى وتصريحات لرجال دين، يدلون بدلوهم ورأيهم وفتواهم فيما يخص التظاهر في ذكرى الثورة، ويا محاسن الصدف، موقف رجال الدين هو نفسه موقف السلطة، صدفة طبعا!
فمثلا، نرى وزارة الأوقاف، أكدت في خطبة صلاة الجمعة الماضية الموحدة، على جميع مساجد الجمهورية التابعة للوزارة، أن دعوات الخروج للتظاهر آثمة.. آثمة وليست خاطئة، فهناك فرق كبير بين الكلمتين، فآثمة هي من الإثم، أي أنها خطيئة سيحاسب عليها من يقوم بها أمام الله، أما خاطئة، أو غير قانونية أو أي مصطلح آخر، يعني أنه خطأ سياسي، أو حتى خطأ قانوني سيضع المتظاهر تحت طائلة القانون، ولكنه لن يؤثر في تصنيفه كمؤمن أو مذنب.
ثم لم يدخر وزير الأوقاف دكتور محمد مختار جمعة، من الجهد شيئا، ليؤكد في فتوى صريحة، أن التظاهر في 25 يناير حرام شرعا!
وهو ما يضعنا أمام عدة تساؤلات، أهمها، ما الذي يفرق بين دولة ما بعد 30 يونيو 2013، عن سابقتها، فأنا أتذكر جيدا، أن التظاهر ضد جماعة الإخوان، كان محركه الرئيسي الخوف من تحويل مصر لدولة دينية تسير سياساتها وفقا للفتاوى الصادرة عن رجال دين، وكان الشعار الأساسي للتظاهرات وقتها، \”دولة مدنية\”، أو ألم يكن التظاهر وقتها، إثما وذنبا عظيما؟.
وكذلك ما الفرق بين المؤسسات الدينية الرسمية، وبين الجماعة الإسلامية، أو الدعوة السلفية، حقيقة، لا أرى فرقا كبيرا، سوى أن المؤسسات الدينية هي مؤسسات معترف بها، وبسلطتها على الأفراد والسياسات، بينما الجماعات الأخرى، هي جماعات مغضوب عليها، ولكنهما يتفقان على الجوهر، وهو تحريك الحياة السياسية من خلال فتاوى وآراء الشيوخ، ومواجهة المعارضة بالتكفير أو التلويح بحرمانية آرائهم.
نهاية، أليس هناك رجل رشيد في هذه الدولة، ينصحهم ويهمس في آذانهم، بأن إقحام الآراء والفتاوى الدينية في القضايا السياسية لن يجلب علينا سوى الخراب، وهو ما كان يقال لجماعة الإخوان من قبل، أليس هناك رجل رشيد، يهمس في أذن آبانا الذي يحرك تلك المؤسسات، بأن مواجهة المعارضة بفتوى دينية، لن يكون سوى سببا في زيادة الأمور تعقيدا، وزيادة ضبابية المشهد السياسي أمام الجميع، ولن يكون سوى خطوة جديدة نحو الانهيار الكامل.
أم أن كافة العقلاء الذين توجسوا وخافوا وتظاهروا واعترضوا على استخدام جماعة الإخوان للدين في حكمها، يرون الآن العكس، هل يمكن القول أن ما كان يحدث سابقا كان تجارة بالدين.. بينما الآن هو تجارة عين شمس؟