دينا ماهر تكتب: أين الله يا ماما؟

في طفولتي كنت أريد أن أرى الله.. في البدء تخيلته رجلا عجوزا حكيما يحب الأطفال الصغار، ويملك خزائن من الحلوى.. ثم أخبرتني معلمتي أن ذلك حرام، فالله ليس شخصا مثلنا.. كنت أعرف أن الله ليس الشمس ولا القمر ولا الأرض ولا السحاب، فالشمس نجم والقمر جسم معتم يدور حول الشمس والسحاب بخار ماء والأرض كوكب في مجرة ضمن كون أكبر. فقررت أن أجعل الجامع الذي أراه من نافذة البيت، الله.. أسمع الآذان، فأعرف أن الله ينادي عباده للصلاة.. أسمع المناجاة في ليالي رمضان، فأعرف أن الله يناجي عباده للعودة والاستغفار.. لا أعرف كيف تتغير إضاءة المسجد حين أبكي وأنا أنظر للنافذة، وكأن الله يحزن من أجلي. وكيف يبدو الجامع فرحا بتفوقي الدراسي.. فقط ظلت المشكلة أن مئذنة الجامع لا تصب غضبها على من أكرههم.

ظل الجامع القريب من منزلي صورة الإله، حتى ذهبت للجامع في مرة مع أمي.. في ذلك اليوم، نهرني الشيخ لأنني لا أستمع للدرس وأنظر للحوائط طوال الوقت.. واتهمني بسوء الأدب في بيت الله.. كانت صدمتي لا توصف حين أدركت أن الجامع ليس الله، ولكنه بيته فقط، لأعرف فيما بعد أن هناك جوامع أخرى وهناك كعبة، وكلها بيوت لله.. إذا أين الله؟!

تشجعت وسألت صديقة لي في المدرسة: أين الله؟ فأخبرتني أن الله فوق السحاب.. شعرت بانتهاء الأزمة، فأخبرت صديقتي أنني سأركب طائرة لأرى الله، لتكمل حديثها أن الله لا نراه من الطائرة، فالطائرة لا تصل لله. أصبت بخيبات أمل أكبر حين عرفت أن لا أحد يرى الله.. كيف نؤمن بما لا نراه، كيف نتيقن أن دعوتنا تصل له، كيف؟

في رحلة بحثي قررت أمي أن تريحني.. أحضرت ورقة وقلما وبرجلا، وأخبرتني أننا سنرى الله.. تسارعت دقات قلبي، فأنا سأرى الله.. سأرى الذي ليس شمسا ولا قمرا ولا إنسانا ولا جامعا.. جعلتني أمي أرسم دائرة صغيرة بمنتصف الورقة، ثم جعلتني أحيطها بدوائر أكبر، حتى وصلنا لدائرة كبيرة لا تكفي الورق.. رفعت أمي الورقة أمامي وقالت: \”لو تخيلنا أن تلك الورقة هي حدود ما نراه، فالله هو الدائرة الأكبر التي لا تحتويها أي ورقة.. فقط نرى ما خلقه، نرى الحب والخير والجمال، فندرك أن الله موجود.. نحن فقط أضعف من أن نراه كاملاً.

أراحتني حيلة أمي من السؤال.. خبأت الورقة في درج مكتبي، وصرت أفتح الدرج كلما شعرت بالرغبة في رؤية الله.. تحولت الورقة لأمنيات أكتبها، ثم أصبحت مليئة بالشكوى من القبح والظلم والقهر وغياب العدل. أكتب لله في الورقة، أكتب ما يحزنني وما لا أستطيع أن أجهر به.. أطلب منه الظهور أو إرسال العلامات.. أكبر فأحتاج ورقا أكثر، تزداد مشاكلي فيحمل الورق كلاما أكثر وحزنا أكبر.. يختفي الحب والخير والجمال من حولي، فتشيخ أوراقي وتتجعد من نوبات غضبي وبكائي.

حالياً أملك ورقا كثيرا أسود تماماً.. هل عيني صارت غير قادرة على رؤية والجمال؟ أم أن الجمال في هذا العالم لم يعد موجودا.. هل الله تركنا، أم أننا لم نعد نجيد البحث عنه؟ ترى ماذا سيفعل الله بمن قتلوا الحب والخير والجمال بدافع الخوف والعادات والعيب والحرام.. من يقولون إنهم ظله على الأرض وهم ليسوا سوى حفنة من كارهي الحياة؟ ماذا سيفعل بمن جعلوا أوراقنا سوداء؟ أنا آسفة يا أمي، حيلتك لم تنجح.. لم أعد أستطيع أن أرى الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top