شريف عازر يكتب: أنت معاك حق في كل كلامك.. بس برضه ثورة يناير مؤامرة

 

يبدو أن بعض الناس وصلوا لمرحلة إلقاء اللوم في أي مصيبة تحدث في مصر أو حدثت أو ستحدث على ثورة يناير، كنوع من أنواع الحيل الدفاعية السيكولوجية كما أخبرنا علم النفس.. هناك من لا يستطيع النوم دون أن يسب الدين للثورة والثوار ويوم 25 يناير على النشطاء على مجيدة على كل ما هو متعلق بالثورة, ويجب أن يردد كل المترادفات الشهيرة مثل مؤامرة, خونة, عملاء, ممولين, شمامين كلّة, خربتوا البلد, الاستقرار, عجلة الإنتاج إلخ.. حتى يستسلم للنوم. ويبدو أن هذا التوجه أو الحيلة الدفاعية يزداد يوما بعد يوم كلما أظهر النظام الحالي أي علامة فشل أو تقصير أو تخييب آمال من انتخبوه وأيدوه، وطبعا لا نحتاج لذكر أن الإعلام المتملق للنظام يغذي مثل هذه الأفكار والأحاسيس يوميا ليشتت انتباه الشعب عن مصر الفشل الحقيقي، فهو في عقليته الخائفة المذعورة من كل ما يحدث غير القادرة على التفكير المنطقي، لا يستطيع أن يفسر أي مما يحدث في مصر سوى أن هناك مؤامرة على مصر، وإن هي سبب كل المشاكل، وإن ثورة يناير هي التجسد لهذه المؤامرة.

ولأن ثورة يناير مهيضة الجناح، وأصحابها يا إما في السجن يا إما ماتوا يا إما مهاجرين يا إما مستخبيين, فطبعا أصبحت يناير هدفا سهلا للهجوم وتحميل المسؤولية واستخدامها ككبش فداء لكل مصايب النظام الحالي.

الغريب والعجيب في الأمر هو إنك عندما تتناقش مناقشة موضوعية مع أحدهم وتذكر نقاطا وبالتحديد لماذا قامت ثورة يناير، يرد عليك ويقول لك: \”أيوة فعلا عندك حق, بس برضه ثورة يناير مؤامرة\”.. عندها فقط تدرك أن المشكلة أكبر من مجرد إقناع، وأن العامل السيكولوجي يلعب درا كبيرا هنا، فمثلا في أحد المناقشات الجماعية وما أكثرها, وطبعا \”جماعية\” هنا معناها إن أنا لوحدي باتناقش مع عشر أشخاص في نفس واحد, فتحنا موضوع العنف من الشرطة وفساد الضباط واستغلالهم لمنصبهم.. جميع من كنت أتناقش معهم بلا استثناء ألقوا بقصة شخصية عن تجربتهم البشعة مع الشرطة المصرية المفترية.. يعني حتى المعارضين لثورة يناير عندهم تار بايت مع الشرطة، فما بالك بباقي الناس.. يعني لما الناس اللي عايشة عيشة معقولة وشغل وتعليم وشافوا كده من الشرطة, أومال بقى الشباب الغلبان اللي ما عندوش أي أمل أو فرص في الحياة، واللي شاف سواد الليل في كمين ولا في قسم شرطة يعمل إيه؟!

يعني لما يكون فيه إجماع على إن داخلية وسخة وبلطجية بس برضه اللي نزلوا ضد الداخلية في يناير دول أكيد حد دافع لهم عشان يهدموا الدولة, يبقى لازم يكون فيه طريقة غير المناقشة للتعامل مع الناس دي.. فيه كمان نوعية من الناس قابلتهم يبقوا ساكتين طول المناقشة، وبعد ما الخناقة ما تخلص، ييجي يقولك أنت كلامك صح، بس أنا مش قادر أعلق عشان ما اتاكلش في الرجلين.. في جميع الأحوال يبدو إن فيه اتفاقا ضمنيا إن يناير تشيل الليلة، وإلا مش حنعرف نعيش.

موضوع تاني عليه إجماع هو فساد مبارك, ودلوقت بقى كمان بحكم محكمة إن مبارك مجرم وحرامي، وتتناقش مع الناس وتلاقيهم يقروا ويعترفوا إن مبارك الفاسد اللي دمر مصر هو واللي حوليه, تقوله: حلو جميل.. يعني أنت مقتنع إن الناس كان لازم تنزل في يناير؟ يقولك لا يا عم إنتوا خونة وعملاء ومخربين.. طب يعني حالة زي دي تتعامل معها إزاي؟!

طبعا مش محتاج إنك تقنع الناس إن مصر كانت عايشة في جهل وفقر وظلم وتعذيب وفساد، لأن أي واحد شايف ده كل يوم وعايشه في كل لحظة، لكن التصميم على إن ثورة يناير ليست عملا تلقائيا وإن أكيد وراها متآمرين ومخططين، هو اللي غريب.. يمكن مثلا مش مصدقين إن فيه حد عاقل ممكن ينزل في الخطر يضحي بحياته عشان يعني أحوال البلد مش ولابد.. طبعا الجيل السابق اللي أخد قرار \”عيش يومك وإقضي حياتك وخليك جنب الحيط\”، عمره ما حيفهم أو يقتنع إن ابنه ولا بنته فعلا عندهم وعي سياسي وقال إيه نازلين يغيروا البلد, أكيد فيه حاجة غلط ومستحيل يكون عندهم دم وجراءة للدرجة دي، لأن هو نفسه ما علمهمش الجراءة دي.

التعامل مع ثورة يناير وصل لمرحلة متأخرة جدا من الإنكار وتزييف الواقع، ويبدو إن مكتوب على ثورة يناير إنها تدفع تمن أخطاء كل الأنظمة السابقة والحالية.. مكتوب عليها تتحمل بلاوي مبارك يوم ما نزلت ضده وقررت تقلب الدنيا.. مكتوب عليها تدفع تمن أخطاء المجلس العسكري السياسية الكارثية، واللي هو فعلا المسؤول الحقيقي عن أي فشل حصل في مصر بعد الثورة، لأن المجلس كان الحاكم الفعلي للبلد، وكان معاه السلطة والقوة لإصدار القرارات وتنفيذها كمان, طب بتتشطروا على يناير ليه وهي ما حكمتش أصلا؟! مكتوب على ثورة يناير إنها تتحمل مسؤولية صعود الإخوان للحكم وتخبطهم ولخبططتهم وتوصيلهم الشارع لغضب شعبي أطاح بيهم وأطاح بالتجربة الديمقراطية في مصر كلها, حتى لو الإخوان نفسهم ماكانوش حيطبقوا الديمقراطية بجد.. بقى أسهل تهمة تتقال على ثورة يناير إنها اتركبت من الإخوان, وكأن الثورة هي اللي عملت خارطة الطريق وهي اللي سلمت الحكم، وأخيرا مكتوب على ثورة يناير إنها تتحمل فشل النظام الحالي وأي حاجة غلط تحصل يبقى يناير هي السبب.. سد النهضة يقولك الثورة أضعفت مصر, وناسيين إن موضوع السد ابتدا في عهد أسود المجلس العسكري والمشروع أصلا من قبل الثورة.

طب يعني سؤال بأمانة.. لحد إمتى حتتحمل ثورة يناير أخطاء لم ترتكبها؟ إمتى الناس حيكون عندها الجراءة إنها تعترف إن مصدر المشاكل مش يناير، وإن فيه مشكلة كبيرة في المنظومة كلها، وإن يناير كانت أصلا الأمل الوحيد في إصلاح المشكلة دي.. بس إنتوا قتلتوها بإديكم عشان تعرفوا تناموا بالليل وتستمتعوا بالاستقرار.

ها.. عرفتوا تناموا دلوقت؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top