جابر طاحون يكتب: "حريم" حمدي الجزار

الكاتب والروائي خصوصا، يجب أن يكون مثل الماء النقي العذب بالنسبة للقاع، حين ترى القاع كأن لا أثر للماء. كذلك الكاتب، يجب ألا يُلمح له أي تواجد أو فرض واقحام لنفسه في العمل، أو استعراض لمهاراته.

الكاتب يقيم ويقدم ملامحا من تداخل الفن بالحقيقة، في عالم ينهض بهما كقطبي معادلة متجددة.

من الذكاء أن نترك القارئ وحده ينطق الجوهر النهائي لحكمتنا كما يقول نيتشه.

اتخذ حمدي الجزار الحارة -التي ليست حكرا على أحد- عالما لذلك. للموضوعية ليس عالما واحدا فقط، بل عالم من عوالم كثيرة. سيد بطل؟ الرواية عالم، والنساء المرايا لتحولات؟ سيد عوالم الأخرى (روحية، زبيدة، كريمة،….، سلوى) عوالم متداخلة مع عالم سيد، أو المُتداخل هو معها، وتطور شخصيته بهن أو من خلالهن.. إضافة مني، وحضورها الذكي، الذي يؤكد رمزية الرواية ومناحيها التأويلية، واسم منى تحديدا كاختزال لأمنيات كثير.. ريم وعالم الأحلام.

النجارة مهنة أبوة: راح \”سيّد\” يرى الحياة ورشة، وما نحن إلا قطع الأثاث فيها، فمنّا من هو سرير ومنا من هو كرسي ومنا من هو هراوة.

وعبد الخالق، نده في الحارة الولد الذي كلبه لا يفارقه، وصلب العلاقة بين الإنسان والحيوان، في مجتمع يُنكل فيه الإنسان بالإنسان ويقتله. وأبوه  الأسطى فرج وكيّه ليد ابنه المحمي عقابا له على \”التزويغ\” من المدرسة.

تركز الرواية على التحليل النفسي، واستكشاف الدواخل بواسطة الأفعال الظاهرة، لإثارة العديد من الأسئلة حول: الحب والسعادة، الكره، الحسد، البغض، اللؤم، التفاني والإخلاص، وغيرها من الحالات التي تلازم الإنسان.

سيد – البطل؟ يظل عابرا بأفكاره وقلقه، الجزر البشرية بدءا من حارة طولون، حتى جامعته.. بطلا، عاشقا، صديقا، مزيفا؟

وظف حمدي الجزار تعدد الأصوات وتنوع إيقاع السرد.

التكثيف، دون التقيد بمحور يضع أغلالا، أو يغلق أبواب الرمزية والتأويل.

عينات مستقاة من الواقع، مكتسبة أهميتها من الحكايات حولهم والتي تقدم جمع واختصار لشخصيات عديدة أو لشرائح اجتماعية.. ثقل المادة وقدرتها على سحقنا.. الانحرافات التي لا يُمكن التنبؤ بها.

المسافة بين فصول رواية \”الحريم\”، قفزة بين عوالم، لتجاوز الخيط اللامرئي الذي يجمع البشر ورغبتهم في التخفف من حمولة الذاكرة.

تستطيع أن تصف حمدي الجزار بالروائي الذكي، ولا أقصد بالذكي في كتابة رواية جيدة فقط وتمكنه من أدواته، بل قدرته على الالتفاف حتى حول نفسه.. استخدم حمدي الجزار أيضا، التواتر على مستوى البنية العامة للرواية.

والتوقف في النهاية (الممتازة) حيث سيد أمام نفسه.

يهمس وهو يتجرع الخمر الرخيص: \”لقد كبرت بما يكفي لأن تصير رجلا حقيقا.. يجب ألا تنتظر شيئا أو أحدا.\”

هل يصير الواحد حقيقا، وهو ما يزال يشغل نفسه بالنسوان؟

هل يصير الواحد رجلا حقيقا وهو ما يزال يشغل نفسه بالخوف؟

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Back To Top