منذ بداية العام الأكاديمي الحالي، منذ سبتمبر 2015، وبسمة وأنا نعيش في الجزء الشمالي من ولاية كاليفورنيا، فلدي منحة بحثية من مركز الديمقراطية والتنمية وحكم القانون بجامعة ستانفورد، ونسكن في مدينة صغيرة وهادئة اسمها \”فوستر سيتي\” تقع من منتصف المسافة بين مدينة \”بالو ألتو\” وبها الجامعة، وبين مدينة سان فرانسيسكو وهي من بين المدن التي ما رأيت في حياتي واحدة من أجملها موقعا (على المحيط الهادي) ومعمارا (على الرغم من زلزالين مدمرين تعرضت لهما في 1906 و1989) ومن أكثرها تنوعا وإشعاعا للطاقة الإيجابية.
لن أثقل عليكم بتفاصيل الكتاب الذي أعده عن أسباب فشل التحول الديمقراطي في مصر بعد ثورة يناير 2011. فبعض أفكاره أسجلها يوميا لجريدة الشروق، وربما يتابعها بعضكم عندما تنشر أولا وتنشر كاملة ثانيا 🙂 كما إنني لن أكتب عن جامعة ستانفورد الرائعة التي كلما ذهبت لحضور ندوة أكاديمية أو نقاشا عاما بها وجدت بين الصفوف بعض الحائزين على جوائز نوبل في مختلف التخصصات العلمية.
بل سأروي لكم من يوميات حياتنا خلال الأشهر الماضية موقفا واحدا أدخل بسمة وأدخلني في نوبة ضحك حقيقية، ودفعنا إلى إجراء مقارنات \”العسل الأبيض والعسل الأسود\” بين الولايات المتحدة وبين مصر، أو للدقة بين أشياء هنا ونظائرها هناك، واستأذنكم في أن أروي الموقف بالعامية المصرية، فالراوية هنا أقرب ما تكون إلى فعل \”الفضفضة\”، والموقف المعني تخلله حوار بين بسمة وبيني وحواراتنا -على عكس توقعات بعضكم 🙂 – دوما ما تكون بالعامية.
الموقف:
تمهيد – بسمة بتدخن، والتدخين في كاليفورنيا مش مسألة سهلة أبدا. لأن معظم الأماكن العامة ممنوع فيها التدخين، ولأن الشقق السكنية بالإيجار كمان ممنوع فيها التدخين، وإحنا عايشين في شقة من النوعية دي (للأسف، المخابرات الأمريكية والألمانية ما بيسرفوش على عملائهم كويس اليومين دول 🙂 بعد كام يوم من وصولها كاليفورنيا، اكتشفت بسمة مكان على بحيرة مش بعيدة عن الشقة، وراقبته لغاية ما اطمنت أنه دايما فاضي من الناس، وابتدت تتردد عليه للتدخين في ساعات الليل، بعد ما بنتنا ناديا تكون نامت، وطبعا كانت بتلم الباقي من السجاير (مش قادر استخدم الكلمة العامية هنا) في منديل يترمي في زبالة لإخفاء آثار الجريمة!
لغاية ما مرة رجعت الشقة وهي لونها مخطوف، وابتديت تحكي –
بسمة: تصدق، وقفني رجل من البوليس دلوقتي!
عمرو: ليه؟ انتي كويسة؟
بسمة: آه تمام.. أنا كنت واقفة في مكان كل يوم. فجأة لقيت نور عربية بيقرب مني، وشوفت أنها عربية بوليس. اتوترت طبعا، وابتديت أدور في جيوبي على البابسبور أو الرخصة عشان لو اتسألت على إثبات الشخصية وعلى التليفون عشان أعرف أكلمك. ولا حاجة منهم كانت معايا.
فكرت أرمي السيجارة، وبعدين قولت هيبقى منظري كأني باتخلص من جسم الجريمة. وقفت مكاني متسمرة، والرجل اللي في العربية نزل منها ومشي في اتجاهي.
عمرو: وبعدين؟
بسمة: الضابط اتكلم بصوت واطي جدا، أنا طبعا كنت متوقعة زعيق. قال اسمه وشغله، وبعدين سؤاله الأولاني كان بتعملي إيه هنا؟ قولتله واقفة بادخن. السؤال التاني كان إنتي مش عارفة إن التدخين ممنوع هنا؟ قولتله ما هو ممنوع في كل كاليفورنيا، وأنا مدخنة أعمل إيه بس؟ ضحك، وقال إنه عموما ما وقفش عشان مسألة التدخين، وهي مش من اختصاصاته وفي زمايل مسؤولين عنها، لكن إنه وقف عشان يطمن على سلامتي عشان المكان ده اشتكوا منه ناس كتير قبل كده بسبب ضلمته الزيادة.
عمرو: ده عامل زي الراجل بتاع \”أنا هنا مخصوص عشان الكلب ده\” في فيلم \”غزل البنات\”.. احمدي ربنا إنك في كاليفورنيا.. في ولايات تانية البوليس نازل فيها تفتيش وحبس وبيتصرف بطرق تانية مع الأجانب.. وبعدين؟
بسمة: سألني إذا كنت شوفت حاجة مريبة في المكان.. قولتله قصدك يعني ناس غيري من المدخنين؟ ضحك تاني وسأل عن عنوان الشقة.. سمعت العنوان بسرعة وعرفته أن الباسبور والرخصة الدولية في الشقة لو محتاج إثبات شخصية.. ضحك تالت ورد إنه ما طالبش إثبات شخصية، وإن قوانين كاليفورنيا ما تسمحلوش بده إلا مع ناس مشتبه فيهم.
عمرو: شايفه الفرق، شوفتي بقى حقوق الإنسان على الطبيعة شكلها إيه.
بسمة: عمرو، مش وقته عشان خاطري، أنا في مشكلة!
عمرو: ليه؟ اللي إنتي بتحكيه ده ما فيهوش مشاكل.
بسمة: طبعا في! الضابط قبل ما يمشي طلب مني إني أدور على مكان تدخين غير ده، عشان مش كل يوم تقف عربية بوليس تاني تطمن أني تمام وممكن ضابط غلس يبعت زمايله من شعبة \”ملاحقة المدخنين\” والذي منه.. أنا كده ما عنديش مكان، أنا طفشت من فوستر سيتي ومن كاليفورنيا كلها!
عمرو: خلاص نرجع مصر يا حبيبتي.. بس مش تستني لغاية ما تقابلي ضابط واحد من شعبة ملاحقة المدخنين؟ ويا ترى هتهون عليكي شعبة \”إحنا هنا مخصوص عشان نطمن على سلامتك\”؟ ومش هيفرق معاكي ضابط بيقولك ما ليش حق أسألك عن إثبات للشخصية؟
النهاية – بسمة مستمرة في تجارب زي تجربة بافلوف بالضبط، عشان تلاقي مكان للتدخين ما فيهوش ناس، ومش ضلمة أوي، وما بتعديش عليه عربيات البوليس، وبالذات عربيات ضباط الشعبة أياها.. أما أنا فشايف إن أريح لها أنها تبطل، وعموما مبسوط جدا بعدد السجاير اللي عمال يقل كل يوم.